زكية إبراهيم الحجي
وباء يلفه الغموض زلزل الكثير من الثوابت الدولية.. ووضع ضمير العالم أمام اختبارات صعبة وباتت البشرية جمعاء أمام مصير جديد وغامض بفعل تفشي هذا الوباء القاتل وانتشاره بسرعة غير متوقَّعة.. فرغم جميع التدابير والإجراءات المشدَّدة التي اتخذها جميع الدول وكافة المنظمات والهيئات الصحية العالمية لمحاصرته ورغم التقدم غير المسبوق في عالم الطب إلا أنها ما زالت تقف عاجزة أمام منع انتشاره، حيث أثبتت الأنظمة الصحية القائمة في الدول الأكثر تقدّماً وتفوّقاً في المجال الطبي عدم قدرتها على التعامل الفوري لاحتواء جائحة فيروس كورونا والحد من زحفه.. فكانت النتيجة حصد أرواح آلاف من البشر ولا يزال مستمراً ولغة الأرقام تتحدث يوماً بعد يوم عن زيادة مطردة في عدد مصابي وضحايا هذا الفيروس الخطير.
وحتى يأتي اليوم الذي يُفاجئنا علماء الأبحاث الطبية والفيروسات المعدية بتمكنهم من اكتشاف علاج أو لقاح لهذا الوباء ونرجو أن يكون قريباً -بإذن الله - أتساءل: تُرى ما هو سيناريو مستقبل العالم والبشر فيما بعد «كورونا»؟ ماذا يمكن أن يتغيَّر..؟ هل تتغيَّر سياسات العالم وأنظمتها المختلفة من سياسية واقتصادية.. من سلوكيات اجتماعية وسياسات وقائية ضد الأوبئة والحماية منها..؟ هل يتمكَّن العالم والبشر من إدراك حجم التغيير الذي ستتركه أزمة كورونا في حياتنا..؟ الوضع العالمي في ظل تفشي فيروس كورونا مرعبٌ للغاية.. وأحاديث المجتمعات لا تخلو من تساؤلات تدور بمجملها عن التغييرات التي ستطرأ مستقبلاً.
تحديات كبرى تواجه العالم ولم يُختبر بمثيلاتها سابقاً ما جعل العقل يعجز عن التفكير في المستقبل، بل لا يرغب في التفكير خوفاً من أن يُصاب بالإحباط لكن الدول والشعوب كافة مجبرة على أن تهيئ نفسها لدفع ثمن وباء غزا العالم ولم يكتفِ بحصد أرواح آلاف البشر، بل ضرب الاقتصاد العالمي وأوقف حركة الطيران العالمية وحركات التبادل التجاري.. أوقف عجلة الإنتاج ما أدى إلى زيادة معدلات البطالة في الدول المتقدِّمة لاسيما في أمريكا والدول الأوروبية.
لا شك أن العالم لن يكون كسابق عهده، بل سيُقبل على ولادة جديدة.. ولادة تخضع لاختبارات صعبة ودقيقة قد يعاد بمقتضاها النظر في كل ما أفرزته العقود الماضية سواء على مستوى العلاقات الدولية أو مجال البحث العلمي بين الدول أو المنظومة التعليمية والصحية وغيرها من المجالات المرتبطة بالإنسان والبيئة والزراعة والغذاء والدواء.. المواجهة مع أزمة كورونا ستفرض على الدول إعادة ترتيب أولوياتها وأن يكون اتجاه بوصلة التغيير أولاً للصحة وأجهزتها والإنتاج الدوائي والغذائي ومخابر البحث العلمي والطبي والتوجه إلى إعادة هيكلة الأنشطة الاقتصادية وتوجيهها لتأمين حاجات الإنسان الاستهلاكية الأساسية في حالة الطوارئ إلى جانب الوعي البشري المستمر.. نقطة تحول عميقة وفاصلة سيشهدها العالم بعد أزمة كورونا، فكيف سيكون مستقبل العالم فيما بعد الكورونا؟