د. محمد عبدالله العوين
كما توقعت في مقال الأربعاء الماضي أن يتم تطبيق الحظر الكامل في عدد من مدن المملكة، وهو ما حدث بالفعل، فقد صدرت التعليمات لوزارة الداخلية بأن تراقب تطبيق الحظر الكامل أربعاً وعشرين ساعة إلى أجل غير محدد في تسع مدن منها الرياض.
تمر الأسرة السعودية في مختلف مدن المملكة بحالة نادرة لم يشهدها مواطنو المملكة منذ تأسيسها قبل واحد وتسعين عاماً، أي ما يقرب من قرن من الزمان، مرت على أجدادنا وآبائنا كوارث وحروب ومجاعات وأوبئة وأمراض؛ لكن لم يكن المشهد الفاجع على المستوى الدولي بهذه الصورة من حدة الانتشار وأعداد المصابين في وقت ليس طويلاً؛ إذ لم يمض على بدء انتشار الوباء سوى شهر ونصف تقريباً.
تكيَّف أجدادنا آباؤنا مع وباء الإنفلونزا الإسبانية التي اجتاحت العالم عام 1918م 1337هـ وكانوا يسمونها الطاعون أو الصخونة، وعانوا ما عانوا من شدة وطأة الوباء عليهم وعدم قدرتهم على علاجه؛ إذ ما كان ذلك المرض يمنح مهلة للتداوي فمات بسببه مئات الألوف من أبناء الجزيرة والبلدان العربية الأخرى، وعانوا من المجاعة التي أعقبت الحرب العالمية الأولى في سنوات ما بين الحربين 1920- 1945م أي ما بين 1349- 1365هـ وبالرجوع إلى ما كتبه أدباؤنا في صحف تلك المرحلة الصعبة بين الحربين كما في صحيفة أم القرى وصوت الحجاز يتبيَّن الألم الفاجع الذي مسَّ الطبقات المتوسطة والموسرة من الناس من موظفي الدولة في بداية تأسيسها فما بالك بالطبقات الدنيا من المواطنين، ويصف ذلك الأديب محمد حسن فقي في مقالته الشهيرة (ذكرى عام 1350هـ السيئة) التي وقَّعها بـ(أنا)، إذ لم يجرؤ على كتابة اسمه الصريح، ونشرها في صوت الحجاز العدد 12 في 22-2-1351هـ وتضمن المقال وصفاً دقيقاً بليغاً لمعاناة كاتبه من الفاقة، فبعد أن شكا سوء أحواله وما ناله من شدة الفقر قال (سوف أذكرك أيها العام والألم ملء جوانحي لأنك اضطررتني إلى هجر كثير من عاداتي التي كنت أتمتع في بحبوحتها، فمنها المسكن المتعدِّد الطبقات، فإني قد استبدلته بصندقة بسيطة).
ثم يذكر أنه هجر الفاكهة وطارده صاحب المسكن، واستبدل الجزمة بالنعل والإضاءة القوية بالمسرجة نمرة2 والأثاث حنبل فقط، والملابس بفتة حاف بدلاً من سلطان الدوبلين وفخر العرب.
هذا نموذج لحالة من حالات الفقر والمرض التي عانى منها أهلنا في العقود البعيدة الماضية، أما نحن في هذه المرحلة الزاهية من تاريخنا فلا نشكو مما كانوا يشكون من الفقر وتدني مستوى الرعاية الصحية وانعدام الخدمات ونحوها.
نحن نتمتع في بيوتنا ولله الحمد بكافة الخدمات والرعاية الطبية اللازمة وتوفر وسائل الاتصال والترفيه ووفرة المواد الغذائية، فبقليل من الصبر وكثير من العزيمة على هزيمة هذا الفيروس وببقائنا في منازلنا الفترة المطلوبة سننتصر -بإذن الله - ونحمي أنفسنا وننقذ الوطن من هذا الوباء. نحن نختصر الزمن في مكافحة كورونا حينما نتكيَّف مع البقاء في منازلنا طوال اليوم.