استفادت إيران خلال السنوات الماضية من توجهات السياسة الخارجية الأمريكية والغرب حينها معنويًّا وماديًّا بفضل «الاتفاق النووي»، وكعادتها لم تستطع التعامل معها بكل حذر، ولكنها أفرطت بالتفاؤل حتى وصلت اليوم إلى ما وصلت إليه؟
هي جملة من التناقضات السياسية، تكشفت خلال التعامل مع دول المنطقة من تهديد وتفاخر بنفوذ، وهيمنة لم تصل إلى مبتغاها.. وأيضًا غرور بدعم الغرب والولايات المتحدة بتوقيع الاتفاق النووي، ومكافأتها على ذلك بالإفراج عن مليارات الدولارات المجمدة التي ذهبت إلى جيوب عملائها ووكلائها للمُضي قُدمًا في مواصلة بث الفوضى الخلاقة على طريقة سوريا والعراق.
إن حقيقة إيران اليوم ليست كما هي بالأمس؛ فقد تغيّر كل شيء سياسيًّا واقتصاديًّا وصحيًّا.. والواقع الإيراني داخليًّا يرضخ تحت وطأة شغف العيش والحياة الكريمة.
والأدهى والأمرّ رغم الظروف الحالية التي يعيشها العالم فإن إيران تغرد خارج السرب؛ فتناكف تارة، وتكذب مرات ومرات، وترفض المساعدات، وتُخفي ما تخفيه، وتطارد من يكشفون الحقيقة، وتقوم بسجنهم وتعذيبهم؟ فماذا يريد ملالي طهران من ذلك كله؟ بلا شك هو تلميع صورتهم أمام شعبهم، وأنهم حريصون عليه، وأن العقوبات الأمريكية هي العائق أمام مساعدتهم وقلة حيلتهم، ويجب أن ينظر إليها شعبهم بمنظار العدل والإنصاف. وهذه كلها تصرفات لا تنطلي على الإنسان العاقل الذي يعرف تمام المعرفة حقيقة هذا النظام ذي الأعذار البالية والمصطنعة طوال وصوله إلى سدة الحكم في البلاد؟
لكن عند وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو وإدارة الرئيس دونالد ترامب الناجحة تجاهها الخبر اليقين، الذي كشف فيه بومبيو النقاب عن إنفاق النظام الظلامي الإيراني مبلغًا ضخمًا، قُدر بـ(16 مليار دولار)، على تمويل أذرعها الإرهابية متجاهلة ظروف شعبها وفقرهم المدقع؟ كما عرّى بومبيو ظهرها في إعلان أنها في عام 2012م سرقت مليار يورو، كانت موجهة لها كمساعدات طبية؟ وفي ظل جائحة كورونا التاجي، التي أودت بالمئات من الإيرانيين، وتتكتم السلطات هناك عن أعدادهم الفعلية، يظل هناك تساؤل، لا يحتاج إلى إجابة؛ لأن الإجابة لن تحصل عليها من ملالي طهران مهما كان الثمن، هو: مَن الذي يعرقل تصدي إيران لهذا الفيروس المعدي؟ أليس هي سياسة النظام اللا إنسانية، واستهتاره بحياة البشر، الذي لم يقُم بمساعدتهم أو أن يترك غيره يساعدهم؟ فقد رفض مرشده وزعيمه الخامنئي مؤخرًا المساعدات الإنسانية التي أبدت الإدارة الأمريكية تقديمها لمحاربة فيروس كورونا المستجد والمتفشي في إيران بعد أن كانت بلاده تساوم وتتسول المساعدات الغربية، وقبلها تطالب برفع العقوبات الأمريكية. وهذا تناقض آخر.
تتكشف استطلاعات الرأي من الداخل الإيراني وبقوة عن إدارة الحكومة الإيرانية للأوضاع كافة التي شابها فشل ذريع لعدم القدرة على السيطرة عليها حتى وصل الحال إلى ما وصل إليه. وما استطلاع وكالة الطلبة الإيرانية (إيسنا) الحكومية الذي بيّن أن أداء نظام الملالي لا يتجاوز نسبة 15 % لدى سكان مدينة طهران وحدها إلا مثال. كما أن هذا الاستطلاع أظهر أن 54 % من المشاركين فيه يعتقدون أن الاحتجاجات الأخيرة للنظام ستستمر في المستقبل.
هذا النظام الذي بات يعيش في الجانب المظلم من العالم بسلوكه الغريب لا يتوانى عن الاستفادة من الأزمات لتلميع صورته، والتباكي على جائحة فيروس كورونا للشعب المغلوب على أمره، ولكنه -للأسف- خارج حساباتها. وخنق هذا الفيروس أيضًا بعض كبار مسؤوليه ذوي الوعود الكاذبة التي أصابت الإيرانيين بخيبة أمل؛ فلا توجد إجراءات احترازية ولا رعاية طبية للمحافظة على سلامة وصحة المواطن والمقيم أو حتى الزائر لها.
لذا لا يزال نظام ملالي طهران مهما كانت الظروف المحيطة به أو المحبطة حوله ينعم في سباته العميق.