شريفة الشملان
البقاء في البيت، قد يجعل لنا مراجعات لما مضى وقد نقارنه بما نحن فيه اليوم وما كنا بالأمس. نخرج الدفاتر القديمة، القصاصات، أول مقال وأول قصة، وأول حدث.. ننثر أمامنا الكثير من الصور، لكن صوري الآن لا أدري إن كان بعضها سيكون مشروع مقال أم قصة قصيرة.
لكم احترامي ومودتي وكل يوم ونحن جميعنا بخير
صور قديمة
صورة أولى:
لم تكن الأزقة متربة جداً، كان جو الفرح يغشاها. شراب أبيض وحذاء صغير أسود. فستان جديد مورد بأكمام منفوشة وكذا أسفله، حمام صباحي لم تتعوده لكنه غلف روحها بفرح جميل. أحست وكأنها تشارك الحمامة بأجنحة خفيفة. ستسجلها أمها في المدرسة. تتكلم أمها كثيراً، مع جارتها التي ترافقهما للمدرسة.
يصلان بيتاً لا يختلف كثيرًا عن بيتها. صف من المعلمات يجلسن على كراسي وقبالهن طاولة وكرسي، لا يشبهن أمها ولا أحد مما تعرفه، يضعن الأحمر في شفاههن ويتكلمن لهجة لم تتعودها.
وهكذا ولجت الصف الأول الابتدائي.
الصورة في الذاكرة وليس لها عكس.
صورة العكس:
في الصف الثالث قرَّر والدهم أن يأخذ لهم صورة عند المصور الأرمني، ليس هناك حاجة للعكس كما تردد جدتها.
لم تكن تفهم ما معنى العكس، لم يعكسوهن وكيف. هل سيقلبونهن رأسًا على عقب أم يمينًا ليسار. لم تستطع سؤال أمها كانت الأم على أعلى درجات التوتر لدرجة أنها أشبعت شعرها جراً وهي تمشط لها.
هذا العكس (الصورة) وجدتها شاحبة جداً بصعوبة قرأت التاريخ/ 1956 ضمن ألبوم الصور القديمة، أخواتها الثلاث وهي وأبوهن في الوسط لا وجود لأمهن.
صورة فوق السطح:
جاء عمها بكاميرة على شكل علبة سوداء، توشوش كثيرًا مع أبيها لا يريد أن يسمع الأعمام الكبار بذلك، جرّهن للسطح تحت الشمس، وهناك أمرهن ألا يتحركن. وطق طق والتقط لهن صورة كانت تضع يدها على جانب رأسها وكأنها تحية عسكرية.
هذه الصورة موجودة وواضحة.
أول مرة صورة للمدرسة:
على الجدار في صالتها صورة لها للتخرّج من السادس الابتدائي. وكيف غافلت أمها ووضعت أحمر شفاه لتبدو الصورة أجمل، ولكنها كلما رأتها ندمت لماذا كسرت براءة طفولتها.
في داخل ألبوم الصور صور أخرى لها وأخواتها وصورة يتيمة للأم، صور تملأ الجدار للأب.
تتكاثر الصور ما بين خيال وحقيقة.
صورة الحصبة:
تحت إذنها وجدت الأم بضع حبيبات حمر وشيء في لسانها يوجعها، قالوا إنها الحصبة اثنتان من أخواتها أصيبتا، أما الكبيرة فقد أخذتها قبلهن. وكانت مرحلة (التذويق)، كل شيء أعطوهن منه قليلاً بما في ذلك الحلاوة الطحينية، عرفت فيما بعد أن مريض الحصبة إن لم يتذوَّق خلال أيامها الأولى ربما يموت لو أكل شيئًا غريبًا.
لا توجد صورة لها ولا لأختيها لكن ابن جيرانهم كان في الثالثة وأتته الحصبة. ذكرتها بصورة الحصبة المختبئة في الذاكرة. قبل أن يكون هناك لقاح للشلل والثلاثي. ولكنها لا تتذكر صوراً في طفولتها لأطفال مشلولين.
القرمز والذرور صورة حمراء:
كان في عيني ابن جيرانهم وجع جعلهما حمراوين منتفختين.
جدتها أدخلته ووضعت له الذرور المحتوي على شيء اسمه القرمز وهو فعلاً قرمزي اللون.
ساح على وجهه. أصبح منظره مخيفاً، الأطفال خافوا خوفًا شديدًا. رغم أن الطفل شفي في اليوم التالي إلا أن الذرور والقرمز أصبحا كما السعلو وحمارة القايلة يشكِّل موضوع إخافة للصغار. طبعاً لا يمكن أن توجد صورة إلا في الذاكرة.
بكل المودة والحب أستودعكم جميعًا الله سبحانه وتعالى، وأرجو أن يرضى علينا ويرضينا ويزيل عنَّا الغمَّة.