د. محمد بن إبراهيم الملحم
تحدثت المقالة السابقة عن قناة «عين» وذكرت إنها لم تقصر في تقديم الدروس للطلاب منذ الأسبوع الأول لتوقف المدرسة، وكان العمل اجتهاديًا جيدًا كبداية، تخللته بعض الملاحظات التي أشرت إليها، وهذا الأسبوع تفرجت مرة أخرى على القناة لأجد طريقة عرض الدروس قد تحسنت فنيًا بشكل جيد، حيث التزم كل معلم بالسبورة الذكية في الشرح مستخدمًا المحتوى المتوفر من خلال الكتاب الإلكتروني ما أمكن وهذا يقلل الاعتماد على الرسم والكتابة اليدوية والتي قد يشوبها سوء التنظيم أحيانًا مع عدم تميز جودة الخط، ومع ذلك سيحتاج المعلم أن يكتب من وقت لآخر ولكنما هذا في أضيق الحدود غالبًا، أقدم شكري لكل القائمين على هذا العمل سواء في جانبه الفني من حيث التصوير والتقنيات أو في جانبه التعليمي، وأقول لهم إلى الأمام فهذه خطوة تقدم جيدة، ولا زالت تنتظركم خطوات أخرى لنحقق جميعًا التفوق الذي ننشده لتعليمنا ولمستقبل أبنائنا، فهناك فرص متعددة ومتنوعة للتطوير أقلها وأيسرها توفير مقاطع شرح فيديو تسهل الفهم والتصور، فمثلاً كنت أشاهد درسًا في الكيمياء للمرحلة الثانوية أجهد المعلم فيه نفسه ليوضح ويشرح ويصور في مخيلة الطالب كيف يحصل تفكك جزيئات سائل البطارية حتى تتركم على الأقطاب بعد مدة من الزمن نواتج التفكك مسببة حاجزًا لسريان دورة التيار فيتوقف التفاعل ويتوقف عطاء البطارية كمصدر للكهرباء، وكذلك فعل معلم آخر للفيزياء وهو يشرح اضمحلال بيتًا وما يصاحبه من جسيمات نيوترينو بسبب ميل النواة للاستقرار النووي، وكان بإمكان كل منهم أن يستخدم أحد مقاطع اليوتيوب «الكثيرة جدًا» والتي تصور كلاً من هذه العمليات «صعبة التصور» بطريقة مرئية وبسيناريو جميل متقن يسهل الفهم بل يختصر زمن الشرح أحيانًا. كذلك كان معلم الرياضيات يحاول أن يوضح العلاقة بين إحداثيات مراكز القطع المكافئ وكيف تعبر عنها العلاقة الرياضية الواصفة، وكان يدون الأرقام والقيم على الجداول ويشرح بطريقة تقليدية جيدة، لكن كان بإمكانه أيضًا استخدام أي من أدوات الجافا التي تصور هذه العلاقات للأشكال الهندسية المختلفة بشكل جميل تفاعلي متناسق سواء كان هذا الاستخدام بديلاً للجداول التقليدية أو مرادفًا لها لتسهيل الفهم وتصوره بشكل مرئي تفاعلي. طبعًا قام هؤلاء المعلمون بواجبهم خير قيام حسب ما يتطلبه منهم الواجب المهني وأشكرهم عليه، وأداؤهم كان جيدًا لا غبار عليه، إنما أدعو إلى أن تيسرهم هذه الوسائل الإيضاحية المعينة ليغدو درس كل منهم ممتعًا بحق ومختلفًا عن النمط الاعتيادي في المدرسة، هذا سيجعل من دروس «عين» مغناطيسًا يجذب طلابنا وطالباتنا إليها لما يجدونه فيها من نمط مختلف عما اعتادوا عليه في غرفة الصف من قبل.
لازلت أيضًا متمسكًا برأيي في ضرورة تنويع المعلمين خاصة إنه يوجد معلمون مبدعون في تقديم المادة التعليمية، فالتدريس فن في أساسه وليس علمًا يتعلمه الإنسان فيتقنه إتقان المبدعين، وهنا أقول ليس بالضرورة أن يقتصر التدريس على معلمي الرياض المتميزين حيث توفرت إمكانات التصوير وتجهيزاته، فقد يكون هناك (لمادة ما أو أخرى) من تميز أكثر ولكنهم في مناطق أخرى فأعتقد أن استثمار الوزارة وسخائها في جذبهم للرياض لفترة محدودة لتقديم هذه الدروس (شهر مكثف العمل مثلاً) أو حتى بانتقال فريق تصوير مخصص لهم في مناطقهم سيكون له أثر إيجابي ملموس وسيحقق لدروس قناة عين شعبية أكبر بل ربما تحقق قيمة دولية على مستوى العالم العربي، فنحن نتحدث اليوم عن قناة يشاهدها الملايين عبر العالم كله، وهذه فرصة ثمينة للوزارة لتتبوأ مركزًا مرموقًا في هذا المجال حيث إن الطلب على مثل هذه الخدمة سيرتفع يومًا بعد يوم مع تقدم مسار الجائحة إلى التأزم في كثير من دول العالم. بل إني أعتقد إنه حتى لو لم يكن أصابنا في المملكة هذا الوباء وسلمنا منه (على سبيل المثال) وكانت حالته كما نشاهدها اليوم كجائحة عالمية أوقفت التعليم في كثير من دول العالم حولنا فإن توافر هذه الفرصة كاف ليدعو أي مؤسسة تعليمية لتستثمر فيها وتوجد لنفسها مكانًا في المجتمع الدولي من خلالها. أملي في الإخوة الفضلاء في قناة «عين» وما يرفدها من جهات أخرى أنهم يعملون في هذا المسار وإن ما نشاهده اليوم هو مرحلة أولية سنرى بعدها تطورًا ملموسًا نفخر به جميعًا، وفقكم الله ونحن نتطلع للأمام معكم.