د. خيرية السقاف
بعض الناس ليست بطيئة الساعات في عزلتهم؛ فهم يشغلونها بملء خانات أمانيهم حين كانت بهم تركض الأوقات، وتتداخل الضرورات، وتهمل أو تطغى الأوليات،
إلا كثيراً من الأمنيات، فإذا ما آبوا إلى قائمتها وجدوها قد تراكمت دون أن يرخوا مكعباتها، ويبلغوا قاماتها..
هؤلاء تجدهم إليها مفندين، ولتصنيفها شغوفين، ولملء خاناتها مجتهدين، وبها ممتَّعين..
هؤلاء نفوس تكثر بذواتها، إذ حين يتوحَّد المرء ذو المهارة في ضبط وقته عند مؤشر البدء حين يكون البدء فعلاً، ويكون الفعل إنجازاً، تكون عزلته وقتاً مضافاً سخياً لأن يلتقي قائمة أمانيه ليجعلها قدر ما تتيحه لحظاتها واقعاً ماثلاً أو يكاد..
أكثر هؤلاء نوعاً هم المبدعون، الرسامون، الكتَّاب، الروائيون، المؤرِّخون، المبيِّتون في مخيلاتهم بذورا لإبداعهم، وأولئك الذين في نيَّاتهم السفر في فضاءات إبداعات غيرهم..
معهم كذلك أولئك المجدّدون في أفكارهم، هواة الطبخ، والحياكة، والبناء، وترتيب الأثاث، وتلميعه، بمن فيهم الشغوف لمعرفة، والراغب في الاطلاع، والهاوي لمشاهدة المنتج الفني، والذي يدوِّن فكرته ليعود إليها، والذي يفكر في خلطة عصير مبتكرة، أو ابتكار تصميم لركن أثير في حديقة منزله، أو ذلك الذي اقتنى رتلاً من فكر الآخرين، وقصصهم، ورواياتهم، وبحوثهم، ليفرد صفحاتهم، ويبحر في عوالمهم..
كل هؤلاء تكون العزلة وقتاً متاحاً أريحياً، فائضاً براحاً استثنائياً لهم لفك رموز أمنياتهم ليجعلوها أنيساً في عزلتهم، ورافداً لعطشهم، ومنتجعاً لأنسهم..
إلا أولئك الذين يهدرونها في السخط، في النوم، في الثرثرة..
هؤلاء يتيحون لوباء آخر أن يلتهم عافية أخرى فيهم!!..