مها محمد الشريف
لأسباب كثيرة مستمدة من طبيعة الأشياء، يجب أن تكون الوحدة لها ذلك الأساس القوي والقاعدة الثابتة التي لا تزعزعها الأحداث والنوائب، وهذا كاف لجعلها صوتاً واحداً يتخذ قرارًا موحّدًا، فالشعوب تقرأ الأحداث علانية، ففي إيطاليا حنقت الأغلبية من تخلي الاتحاد الأوروبي عن الوقوف إلى جانب دولتهم في هذا الظرف القاسي من الوباء، ومن ثم إسبانيا واليوم فرنسا يزيل أحدهم علم الاتحاد الأوروبي ويستبدله بالعلم الوطني الفرنسي، معبرًا عن امتعاضه وغضبه من المواقف المتأرجحة بين الصمود والخذلان.
سقطت رموز الاتحاد والتعهدات عند جائحة كورونا، وأن عيب التخاذل قد ترك أثرًا بليغًا في النفوس وخاصة بعد مصادرة أدوات طبية من بعض الدول، وهذا بلا شك سيحرك الحس الشعبي ويعيدهم لزمن ما قبل الحرب العالمية الثانية، ويقوي التيارات والأحزاب القومية المتطرفة التي تغير النظام في أوروبا عندما تتهاوى الأعمدة التي كانت تحمل تلك المنظومة، منذ انسحاب بريطانيا عنها فسارت بقية الدول تبحث عن مخرج.
إذا اجتمعت هذه الأمور اتضح لنا جليًا الصعوبات الاقتصادية التي ستواجه دول الاتحاد الأوروبي، فإن الأزمة الاقتصادية سوف تدمر النموذج الاقتصادي نفسه، الذي بُني عليه الاتحاد الأوروبي، مما يُفقد التوازن بين الدول وتكون القرارات الشعبوية للأغلبية الفقيرة من دول الاتحاد، حيث تسببت في زعزعة استقرار الأنظمة المالية للدول التي تشكِّل «النواة» الاقتصادية للاتحاد الأوروبي، وهي في الحقيقة كانت تعاني ضعفاً بالنمو، وهذه الأزمة قد تجعل كل دولة تنكفئ على نفسها وأن المرحلة القادمة ستكون صعبة بدون خارطة طريق ودعم كبير وقوي لانتشال المجتمع الأوروبي من انهيار اقتصادي واجتماعي محتمل.
ولقد قال رئيس وزراء إسبانيا، بيدرو شانسيز، إن جائحة فيروس كورونا قد تتسبب في «انهيار» الاتحاد الأوروبي، إن لم يتم اتخاذ إجراءات أكثر صرامة في التعامل مع الأزمة الحالية. جاء ذلك في مقال نشره «شانسيز»، الأحد، بـ6 لغات أوروبية، في أبرز صحف ألمانيا، وبريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وإسبانيا، وهولندا.
وأضاف: «الظروف الحالية استثنائية وتدعو إلى مواقف ثابتة، إما أن نرتقي إلى مستوى هذا التحدي أو سنفشل كاتحاد». وتابع: «لقد وصلنا إلى منعطف حرج تحتاج فيه حتى أكثر الدول والحكومات المؤيِّدة للاتحاد، كما هو الحال في إسبانيا، إلى دليل حقيقي على التزام (الاتحاد) نحوها». ووصف شانسيز جائحة كورونا بأنها «أسوأ أزمة للصحة العامة في أوروبا منذ العام 1918».
رغم التباين ورغم ما وقع فقد كانت مرافق الحياة تتهاوى وتتزايد أعداد المصابين بفيروس كورونا، وتطالب إيطاليا وإسبانيا، الأكثر تضررًا من الجائحة في القارة الأوروبية، بدعم من فرنسا وبعض كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي، بما باتت تُعرف بـ«سندات كورونا» التي ستسمح للبلدان الأكثر تأثرًا بالفيروس بجمع التمويل عبر أسواق المال تحت مظلة الاتحاد الأوروبي، حسبما نقلت وسائل إعلام أوروبية.
في نهاية الأمر هناك تساؤلات حول كبرى القضايا المعاصرة وأشدها خطورة للعالم المتقدِّم من يحسن القول كثيرًا عليه أن يؤمن أن هناك آخر يحسن العمل ويتقنه في دول أخرى، بعد أن تصدرت 4 دول في أوروبا وفيات كورونا حول العالم، حيث تحل إيطاليا في المركز الأول تليها إسبانيا ثم الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا.