د. أحمد الفراج
نواصل حديثنا عن منصب نائب الرئيس الأمريكي، الذي يعتبر منصباً شرفياً، في ظل وجود الرئيس، ولكنه منصب في غاية الأهمية، في حال مات الرئيس أو تم عزله، إذ يصبح هو الرئيس، حسب الدستور الأمريكي، ومن عجائب هذه الصدف، أن بعض نواب الرؤساء، الذين تسنَّموا الرئاسة بمحض الصدفة والأقدار، أصبحوا نجوماً كباراً، وتميّزوا في زعامتهم، وسجَّل لهم التاريخ إنجازات كبرى، وأولهم صاحب موضوعنا اليوم، الرئيس ثيودور روزفلت، وهو جمهوري، حكم ما بين عامي 1901 و1909، وقصة وصوله للرئاسة عجيبة، فقد اختاره الرئيس ويليام ميكينلي نائباً له، ثم بعد عدة أشهر مات الرئيس، فأصبح روزفلت رئيسًا، وبالمناسبة، فهو أصغر رئيس في التاريخ الأمريكي؛ بمعنى أنه أصغر رئيس يتسنَّم الرئاسة، أما أصغر رئيس يتم انتخابه، فهو جون كينيدي، وهناك فرق بين من يفوز بتصويت الشعب، ومن يصل للمنصب بعد وفاة الرئيس ودون تصويت.
ثيودور روزفلت هو سليل أسرة نيويوركية ثرية، ورغم أنه أصيب بأمراض في طفولته، إلا أنه تغلَّب عليها، وتقمَّص شخصية الكاوبوي، وبعد أن تخرَّج من جامعة هارفارد، عمل في التأليف، وأبدع في ذلك، ثم خاض وُحُولَ السياسة في ولاية نيويورك، ثم أصبح مساعدًا لوزير البحرية، ثم حاكمًا لولاية نيويورك المهمة، ثم نائبًا للرئيس، وكانت له بصمات كبرى داخليًا وخارجيًّا، فبعض المؤرِّخين يصنِّفه على أنه محافظ إمبريالي، ففي الداخل، قاد حربًا على الفساد فيما يتعلَّق بإدارة شؤون السكان الأصليين، وإدارات أخرى، كما كان له دور بارز في تطوير مشاريع السكك الحديدية، ومن أهم إنجازاته كانت قوانين المحافظة على مناطق الموارد الطبيعية والمحميَّات، ولا ينسى المؤرِّخون دوره الكبير فيما يتعلَّق بمصالح الشعب، والاستجابة لمطالبهم، وذلك من خلال المساهمة في تطوير وتقنين ما يتعلَّق بصناعة الأدوية والأغذية، أما سياساته الخارجية، فقد أثبت من خلالها قدرته على المناورة في عالم شائك، تلخِّصها مقولته الشهيرة: «تحدث بنعومة وأنت تحمل بيدك عصاً غليظة»، وقد ختم كل ذلك بحصوله على جائزة نوبل للسلام، والخلاصة هي أنه أصبح رئيساً بمحض الصدفة، بعد وفاة الرئيس، ثم استطاع أن يكون واحداً من أفضل رؤساء أمريكا، وسيتواصل الحديث.