د. محمد عبدالله الخازم
خلال بضعة أيام أقرَّت المجالس التشريعية حزمة دعم كبرى للحكومة الأمريكية تجاوزت (تريليونين) من الدولارات، لم تحظ بها أي سلطة تنفيذية سابقة حتى في أيام الحروب. بعد أن كانت المعارضة الكندية تجهز نفسها للضغط على حكومة الاتلاف كما هو العادة مع كل حكومة لم تنتخب بالأغلبية، فإذا السلطة التشريعية تمنح الحكومة التنفيذية صلاحيات واسعة وشبه مطلقة. بعد أن كانوا يخشون حقوق الإنسان وخصوصيته جاءت الفرصة لمراقبة همساته بالكاميرات في كل زاوية. بعد أن كانت الدول الغربية تنتقد الصين وسياساتها الأمنية، فإذا هي تقلدها وتجد البوليس في شوارع واشنطن يسائل الناس عن أسباب تجولهم. بعد أن كانت تسهيلات الدخول والخروج عبر الحدود مصدر فخر للدول فإذا هم يتنافسون في إقفال الحدود وإيقاف الطيران. بعد أن كان رجال الأعمال يرفعون القضايا على الحكومات بسبب تشريعاتها أو قوانينها أو تصرفاتها المزعجة، فإذا بالجميع يذعن بلا سؤال، ولمجرد توجيه رئاسي تقفل كل مراكز الأعمال ...
كل ذلك حدث بفعل فيروس كورونا. إنه ليس مجرد فيروس يقود للمرض وربما الوفاة، بل إنه نقطة تحول كبرى انتهكت جسد الديموقراطية وعزَّزت سلطة الحكومات والزعامات المختلفة. ليس هناك وقت لمشاركة الشعوب وليس هناك وقت لمنحهم وقتاً للتكفير وليس هناك وقت لفلسفة المفكرين. هذا زمن كورونا، ما يحدث في عقد من الزمان يختصر في أيام. كانت المراكز الصحية في بعض الدول تبحث عن اندماجات بسبب نقص المرضى وزيادة سعتها فإذا بهم يحولون ملاعب الكرة ومقرات المؤتمرات والسفن الضخمة إلى مستشفيات.
بعد أن كانوا يبحثون التعاون البحثي والعلمي، أصبح الكل يتسابق لإنتاج واحتكار الكمامات والقفازات والعلاج واللقاح، وكل يقول وطني وطني، وتنشأ توترات بين دول بسبب الكمامات. بعد أن كان يتباهون بالوحدة والاتحاد ظهرت الأنياب فأصبح كل يقول نفسي نفسي. كان العلماء يثبتون النظرية والساسة يستفيدون منها فإذا بالزعماء تصدروا المشهد، يتخذون قرارات الحماية والعزل والمنع وكل يريد أن يثبت أنه القادر والأفضل من غيره.
على أن كورونا في نفس الوقت أعطت الشعوب ومحبي الديموقراطية والعولمة والمشاركة شيئاً مما يحبونه، منحتهم سلطة (الدجتال) التي ستقوِّض كثيراً من السلطات الصغيرة والمتوسطة؛ سلطة صاحب العمل، سلطة المعلم في المدرسة، سلطة الحكومة في تقديم الخدمات، سلطة رجال الأعمال، وغيرها. حتى صاحب البقالة المجاور لمنزلك تستطيع أن تقول له شكراً هناك بديل اكتشفناه وجربناه، هناك التسوق الإلكتروني!
وبعد زوال جائحة كرونا وعقابها الرادع لكل شعوب العالم، من تتوقّعون يكون الرابح الأكبر منها؛ الحكومات أم الشعوب؟ الدكتاتوريات أم الديموقراطيات؟ القطاع الخاص أم الحكومي؟ الفقراء أم الأغنياء؟ العولمة أم الوطنية والقطرية؟ الاتحاديات أم الفردانيات؟!
لا ندري؛ فالصراع بين الثنائيات يدوم وكل سيبذل جهده لينهض على أكتاف فيروس كورونا. سيأتي من يقول كانت سنة كورونا نقلة سوداء في حياة البشرية كما سيأتي من يقول كانت منبهاً صحانا على واقع أجمل. سينسون ذعرهم وموتاهم وهلعهم ليعودوا سيرتهم الأولى يتنافسون ويتدافعون في هذه الحياة التي لا يستوي جمالها دون التدافع الذي يقود لمزيد من الإبداع والتنمية والعمران.