محمد سليمان العنقري
بالرغم من أن الأنظار موجهة لمعرفة أين ستكون نهاية النفق المظلم لتفشي وباء كورونا بانحسار انتشاره أو اكتشاف علاج فعال له أو لقاح يحد من انتشاره، إلا أن هذه المرحلة التي توقفت فيها العديد من الأعمال والأنشطة محليًا كما يحدث في دول العالم تعد مرحلة مفصلية لكل منشأة أيًا كان حجمها لتعيد تقييم نفسها وتنظر للمستقبل لتبقى موجودة فيه فمهما طال أمد الأزمة سيكون لها نهاية وهناك مرحلة ما بعد الأزمة التي لن يبقى فيها إلا من بدأ التخطيط للتعامل معها والنظر لمكانه في المستقبل.
بداية فقد اتخذت حكومة المملكة إجراءات عديدة لدعم قطاع الأعمال ومساندته لتجاوز هذه الأزمة بحزمة بلغت 120 مليار ريال منها 70 مليارًا أعلنت عنها وزارة المالية و50 مليارًا عبر مبادرات تتولاها مؤسسة النقد وتمثل في مجملها مرحلة أولى، إضافة للأمر الملكي الكريم بتحمل 60 في المائة من رواتب جزء كبير من المواطنين العاملين في القطاع الخاص ممن تضرر بالإجراءات الاحترازية لمنع تفشي الوباء وذلك لمدة ثلاثة أشهر بدلاً من إنهاء عقودهم مما يخفف من النفقات عن مئات الآلاف من المنشآت ويعزز من إطار الحماية الاجتماعية والاقتصادية، أي أن هناك خططًا حكومية للتعامل مع أي تطورات بهذه الأزمة العالمية المفاجئة، فهذه الإجراءات العاجلة الرسمية تمثل قاعدة صلبة يفترض أن يستفيد منها القطاع الخاص حسب احتياجه، بل توسع شمول الإجراءات للأفراد خصوصًا من فقدوا أعمالهم أو قد يخسروها مستقبلاً أي أن إطار حماية الاقتصاد من هذه الأزمة بدأ فعليًا لكن ذلك هو ما يقع على عاتق الدولة فقط التي دائمًا ما تتخذ الإجراءات المناسبة في وقتها وتتحوط لما قد يكون أسوأ، إلا أن ذلك لا يعفي قطاع الأعمال خصوصًا المنشآت المتوسطة والصغيرة من التفكير بمستقبلها والقيام بما يجب العمل عليه ليس فقط لبقائها، بل لتكون حاضرة لمستقبل ما بعد الأزمة
فلا يمكن انتظار الحلول والمعالجات لمشكلات وتحديات المنشآت من قبل الدولة فقط فهناك مسؤولية تقع على عاتق المنشآت للعمل أيضًا على مواجهة هذا التحدي الكبير، فالتفكير التقليدي لدى المنشآت للتكيف مع ظروف الأزمة ليس هو الحل فقط فلا يكفي تخفيض النفقات بمختلف أبوابها فهذه حلول مؤقتة ولا تعزز من قوة المنشأة إلا لفترة قصيرة فلو طال أمد الأزمة لن يكون هناك خيار إلا إقفال النشاط فخفض عدد الموظفين أو منحهم إجازات غير مدفوعة أو خفض رواتبهم أو إقفال خطوط إنتاج أو فروع ليست إلا جرعات إسعافية سينتج عنها تقلص حجم المنشأة بنهاية المطاف وهدم ما تم بناؤه لسنوات سابقة لذلك فإن مواجهة الأزمة وما بعدها تتطلب تفكيرًا غير تقليدي من قطاع الأعمال.
إن أهم خطوة يجب الاتجاه لها بمثل هذه الظروف هي الاندماج فمن يبحث عن مكان له في المستقبل لا بد أن ينظر لحجم كيانه حاليًا وما سيكون عليه في المستقبل إذا تمكنت المنشأة من البقاء، فهذه الأزمة برغم ما فيها من معاناة إلا أنها فرصة أيضًا للتفكير خارج الصندوق والبحث عن الاستمرار من خلال تعزيز قوة المنشأة باندماجها مع أخرى تعد مكملة لها، فمن المعروف أن الأزمات تظهر معها أعراض عديدة مثل الإفلاسات وأيضًا الاستحواذات وكذلك الاندماجات لكن الأخيرة عادة ما تتطلب قرارات شجاعة من ملاك المنشآت والتفكير الجدي بالمستقبل خصوصًا مع وجود أنظمة تدعم الاتجاه للاندماجات فقد تحقق العديد منها في قطاعات الصناعة والتأمين لكن ذلك كان في ظروف مختلفة ليس فيها التحديات والضغوط كما هي اليوم مما يعني أن المنشآت عليها ألا تبقى تحت دائرة توقف الأعمال أو تقلصها الفترة الحالية وتوقع عودة أوضاعها كما كانت بسرعة كبيرة بل يجب قراءة المستقبل بدقة وعناية لضمان بقائها.
الاندماجات تعد أحد أهم الحلول لمواجهة تداعيات الأزمات، فالدولة وضعت الحماية الكاملة للاقتصاد وقدمت وستقدم كل ما هو ضروري لذلك، لكنّ على المنشآت دورًا كبيرًا أيضًا وعليها النظر للمستقبل بعيون مختلفة عن مرحلة ما قبل الأزمة فمن يبحث عن الاستمرار عليه أن يتخذ قرارات جريئة ويندمج مع كيانات أخرى ليكون لهم مكان في مستقبل الأعمال بعد الأزمة.