د.عبدالعزيز عبيد البكر
كان العالم ابن خلدون مؤلف كتاب «مقدمة ابن خلدون» يدرس مفهوم المجتمعات وأحوال البشر ويقيس العلاقات ومستويات تعايش الأفراد والأمم مع بعضهم البعض وكيفية بناء جسور التواصل والدخول في تفاصيل دقيقه في بناء الإنسان مع الآخرين واكتشاف اختلافات طبائعهم والبيئة وأثرها على الإنسان، ثم يستنتج ويبدأ ابن خلدون بتحليلها بناءً على شواهد ودلالات مرئية ونظرية، حيث اعتبر مؤسس علم الاجتماع الأول وكرس حياته لهذا الجانب.
ومع بدايات الخمسينيات من القرن الماضي ومع ظهور وانتبثاق شبكة الإنترنت ومع تطوّر الحواسيب الرقميّة انقلبت الموازين وأصبحت النظريات واقع افتراضي ومن ثم الواقع الافتراضي أصبح حقيقة! نعم تطورت المفاهيم والنظريات وانتقل المفهوم الخيالي إلى واقع حقيقي ملموس على الإنسان أن يتقبلها ويتعايش معها.
لم تكن قضيّة الربط بين عدة مجتمعات أو أفراد أو أمم مشكلة لأنها كانت ذات بُنيّة قوية في علمية الاتصال ونقطة انطلاق من العلماء والباحثين الذين سخروا أنفسهم لها في القرن الماضي للاستكشاف وإيجاد حلول في عملية الربط، ولكن المشكلة في كيفية التفاهم مع الطرف الآخر وكيفية ربط الثقافات والمجتمعات والمفاهيم مع بعضها البعض، غالباً عندما يتم الربط.. فالذي يبدو عليه أنه متأخر يتمنى أن يلحق بركب المتقدم. ولأن طبيعة الإنسان يغلب عليها طابع أن يكون هو الأفضل وبأن يبحث عن الطرف المتقدم لكي يستفيد منه، ولكن حتى يبني حياته للأفضل. ليس بالضرورة أن يكون الطرف المتقدم صحيحاً مائة بالمائة.. فهناك مبادئ أخلاقية أساسية قد تكون موجودة عند الطرف المتأخر ولكنها ليست موجودة عن الطرف المتقدم، وهذا يجعل الطرف المتأخر متفوقاً على الطرق المتقدم بشكل واضح؛ وقد لا يدرك الطرف المتقدم أن هناك الكثير من الأخطاء الجسيمة التي لا يعلم عنها.
وسيلة التواصل الاجتماعي ولغة الآلة كفيلة بمعرفة جميع الأطراف في عصرنا الحاضر، فلقد أصبح التعايش مع ملف أو (بروفايل) هذا الشخص أو المجتمع مكشوف ويستطيع الفرد حتى لو كان بعمر لم يتجاوز الـ15 سنة أن يتعرف بكل سهولة ويسر أن يتعرف على حدود تفكير هذا الشخص أو المجتمع؛ مبدؤه واهتماماته ومنطقه ومفاهيمه مقرونة بدلالات وبراهين ونظريات لا يمكن إخفاؤها، وهذا هو أساس الوعي التقني.
الحقيقة التي لا يمكن إخفاؤها هي أنه لا يوجد بيت إلا ويوجد فيه على الأقل إحدى وسائل التواصل الاجتماعي التي من خلالها يضع بصماته عليها، يتواصل مع العالم الخارجي بكل سهولة ويسر. لكن هناك الكثير من المحاذير لابد أن تؤخذ بعين الحسبان. هُنا يأتي دور ووقوف الأمن السيبراني ليحل محل المحافظة على الفرد وعلى المجتمع تقنياً وأن يكون هو المسؤول الأول لأن المخاطر السيبرانية تتجاوز حدود الدول، لذلك وبدعم ورعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود تم عقد المنتدى الدولي للأمن السيبراني في نسخته الأولى في الرياض في شهر فبراير الماضي.
ضمن السعي نحو فضاء سيبراني أكثر أماناً لنا جميعاً لأن عصرنا الحالي مصحوب بتزايدٍ ملموس للتحديات والمخاطر السيبرانية على مستوى الأفراد والمجتمع. ومن أهم ما جاء في المنتدى الدولي للأمن السيبراني الذي انعقد في الرياض:
1- تثقيف المجتمعات لتكون واعية ومسؤولة من خلال تمكين مختلف الأطراف ذات التأثير في المجتمع لتحقيق ذلك، والتعاون والعمل المشترك لمكافحة الجرائم السيبرانية بكافة أنواعها، والتركيز على وسائل لتثقيف المراهقين وحماية الأطفال في الفضاء السيبراني، والتنبيه على أن تحقيق الأمن السيبراني يتطلب تضافر جهود جميع مكونات المجتمع، وأن وعي أفراد المجتمع واستشعارهم المسؤولية يعدان عاملين رئيسيين في ذلك سواءً على مستوى الأسرة أو الفرد.
2- تشجيع انتشار الممارسات والسلوكيات السليمة في الفضاء السيبراني من خلال عقد حملات التوعية العامة.
3- تشجيع الجهود في تكثيف التوعية في مجال الأمن السيبراني وتكثيف البرامج التوعوية الموجهة لمكونات المجتمع الرئيسية، ويشمل ذلك الشباب والمعلمين؛ بهدف رفع الوعي حول المخاطر السيبرانية، والتعريف بأفضل الممارسات الكفيلة بجعل الفضاء السيبراني بيئة آمنة لاستخدام مختلف مكونات المجتمع لا سيما التنشئة الآمنة للأطفال.
وانطلاقاً من هذا المبدأ نؤكد على أهمية استمرار المنتدى الدولي للأمن السيبراني ليكون منصة عالمية ويتم انعقاده في الرياض بصفة دورية لتكون الرياض هي أول منصة عالمية مهتمة ومستشعرة بأهمية الأمن السيبراني لتبادل الأفكار والخبرات وإطلاق المبادرات لتعزيز الأمن السيبراني وخلق آليات للتعاون الكامل والعمل المشترك على مستوى الفرد والمجتمع.