اجتاح العالم هذه الأيَّام جائحة لا يعلم أسبابها إلا الله سبحانه وتعالى فقد توقفت وسائل حركة الحياة اليومية بدون استثناء في كافة بلدان العالم مما أصابهم.. الخوف والهلع والفزع والإرباك على كافة المستويات من حكومات وشعوب يقول الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم - {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} -وقال جلَّّ شأنه- {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} وفي الحديث الصحيح - (أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ انْتِظَارُ الْفَرَجِ).
وقد صح عن نبي الأمة المحمدية - محمَّد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه أنه قال (واعلَمْ أنَّ النَّصرَ مع الصَّبرِ، وأنَّ الفرَجَ مع الكرْبِ) وقال جل اسمه (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ)، فالعالم اليوم يقف أمام هذا الوباء العظيم الذي عطَّل حركة الحياة اليومية عاجزاً أمام قدرة الخالق عزَّ وجلَّ كل شيء يقع في هذا الكون الفسيح بعلم الله سبحانه وتعالى وبإذنه وبتقديره كل شيء بقضاء الله وقدرته فالعلماء في شتى أنحاء الكرة الأرضية لم يتمكنوا حالياً من إيجاد علاجاً سريعاً لهذا الوباء فالواجب على كل إنساناً منا في هذه المرحلة العصيبة التي يمر بها العالم كله الرجوع إلى الله في السَّرَّاء والضَّرَّاء وأن يتحلى المرء في هذه المرحلة بالذات بالصبر وطمأنينة القلب والسكينة وأن يكثر من الدعاء والاستغفار كما قال الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم - {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا} سورة نوح.
وأن يلتزم كل واحد مِّنَّا بوسائل السَّلامة والحماية وقواعد النظافة العامَّة في كل الأحوال حسب توجيهات وإرشادات ونصائح مسؤولي وزارة الصِّحَّة.
فالعالم بأسره في هذه الأيام العصيبة يمر بمكدرات ومنغصات ومعوقات وكربات لا يعلمها إلا رب العباد.
فالكثير من البشر يظن أن الحياة عامَّة مجرد لهو وأيامها ولياليها سعادة وهناء ونجاح تلو نجاح لكن الواقع غير ذلك، ولا يعني ذلك أن الحياة كلها بؤس وحزن وألم وإنما هي مزيج من السَّعادة والحزن والنجاح والفشل فلولا الفشل لما كان النجاح ولولا الحزن لما كان للسعادة طعم فهناك مثل تُرْكي - يردده إخواننا الأتراك على وجه العموم - «إن من لم يجرب الألم فإنه يجهل قيمة السَّعادة» ومن خلال ذلك المثل الذي ورد آنفاً هناك علاقة وثيقة بين السَّعادة والأمل فلو لم يكن في قلوب البشر كافة ثقة بالله سبحانه وتعالى ورجاء وتوكل وأمل يدعون إليه في كل وقت وحين ما تحقق لهم ذلك ومن أهم الأسباب أيضاً التي تجلب طمأنينة القلب وراحة الضمير وسكون النَّفس والرضاء بالقضاء والقدر ذكر الله عزَّ وجلَّ في الليل والنهار وفي الصباح والمساء وفي الصلوات الخمس وسائر العبادات وقد قال سبحانه وتعالى:- {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (28) سورة الرعد.
فإن المصائب والكوارث والنكبات والأزمات التي تجتاح العالم كالمرض لابُدَّ له من زمن حتى يزول عن عامة البشر وواجب البشر كافة الصبر وانتظار الفرج ومداومة الدعاء مع البحث والتنقيب عن أسباب الوقاية والعلاج ويقول الحق تبارك وتعالى - {وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}، فالواجب على كل واحد مِّنَّا أن لا يجزع من تلك المصائب ولا يكترث بالكوارث ففي الحديث النبوي - (إن اللهَ إذا أَحَبَّ قوماً ابتلاهم، فمن رَضِيَ فلهُ الرِّضَاء، ومن سَخِطَ فلهُ السُّخْطُ) رواه الترمذي.
ومن سعادة المرء في هذه الحياة أخذ الحيطة من كل شيء واستعمال الأسباب مع الرجاء والتوكل على الله في كل حين.
فإن آلام الدنيا كلها ألوان متعدِّدة فالمرض فراق الصِّحَّة، والفقر فراق المال والثكل فراق الولد، والغربة فراق الوطن، فالموت فراق الحياة.
فإذا أراد المرء أن يعرف نفوس النَّاس حقاً فإنه يعرفهم في أوقات المصائب لا في أوقات النعم فإن أعرف النَّاس بالنَّاس في تلك الحوادث الممرضات بالمشفى فهن اللاتي يرين النَّاس في حالة الكوارث، فيعرفن كيف يجزعون أو يتحمّلون أو يصبرون وكيف يضعفون أو يقوون أما خارج المشفى فكلهم شجعان أقوياء.
في أوقات الرخاء ترى الجمال المتصنع والقبح المتصنع وترى القبيح في شكل جميل والجميل في شكل قبيح، أما في الشدة فترى الجمال عارياً والقبح عارياً، وترى الحق حقاً والباطل باطلاً.
فإن التَّاريخ أوضح لنا - مع الأسف الشديد - أن الإنسانيَّة لا ترقى إلا عن طريق المحن سواء الأمم أو الجماعات أو الأفراد - فالفرد الذي يجد كل شيء ممهداً سهلاً لا يصلح لشيء، والغني المترف الذي يجد كل ما يشاء في الوقت الذي يشاء، ثم لا يكلّف نفسه شيئاً أكثر من أن يستمتع بالحياة، فهو نبات طفيلي يستهلك ولا ينتج، مظهر ولا مخبر، عندما تعصف به عاصفة من شدة يذهب مع الريح ولا يستطيع المقاومة فإن الذي يثبت للحياة ويصلح للبقاء من عركته الأحداث، وربته المصائب وصلبته الكوارث فهذا شأن الأمم، أصلبها عوداً أصلحها للحياة وخير رجالها أقدرهم على التضحية، والأمم التي تنعم فإن نعومتها تؤذن بفنائها فإن الأمم التي تتحلّى بأبجديتها السامية عندما يسود العدل والرخاء والمساواة عن طريق المصائب وصحة الأمم من صحة الأفراد فكذلك الأمم لا تدرك قيمة الخير إلا بالشر، ولا الفوائد إلا بالمصائب.
ومهما تعاظمت الشدائد وامتدت فإنها لا تدوم على أصحابها ولا تخلد على مصابها، بل إنها أقرب ما تكون للانفراج والانبلاج فإن العون من رب العباد.
ومن أقوال لقمان الحكيم - أكلت الطيِّبات، وذقت المسرات فلم أرَ ألذ من العافية والقناعة.
والله الموفِّق والمعين.