د. خيرية السقاف
الهدوء الذي يعمر تفاصيل أوقاتي بين صبح يتنفس، وليل يوقب، وسحر يُلهم، لا ينبهه غير نسمات ندية تعبر إليه عن مواربة باب يطل على حديقة لا تتأخر عن شدو عصافير أشجارها، وشذى زهورها، مفرطة في التعبير عن سرورها وهي تنساب من بين تلك الغصون، ومن كنف ظلالها إليه هذا الهدوء للتعبير عن محض مشاركة خفيَّة مع ما فيه من مكونات حياة في تفاصيل كيان بشري يأكل، ويشرب، يكتب، ويقرأ، يفكر، ويتأمل، يضحك، ويتألم، ينام ويستيقظ.. ويعيش!..
هذا الهدوء الاعتيادي المفعم بتمرير اللحظات كيفما تفرض حالة الذهن، وشغف المخيلة، كان مطلق اليدين، رحب الإمكان، فالباب الموارب يُشرع حين إرادة هذا الكائن البشري للانطلاق خارجاً عنه إلى دروب ممتدة لا تنعطف بحاجز، ولا تمنع بإشارة، تنهبها عربة نحو صديقة، أو قريب، أو مكان تلتقي فيه الناس، كل منهم لشأنه، حاجته، ورغباته..
هذا الهدوء الاعتيادي كان اختيارياً إلا حين مشيئة لذلك الانطلاق، أو لإضفاء صخب صغار يتحلقون، أو حوار كبار يجتمعون فيتحول إلى حركة بهجة تجعله في براح، أو رغبة لتركه غافياً حتى يغادروا..
اليوم لم يعد اختيارياً، هذا الهدوء لبس حالة مغايرة، فنبتت له أصوات، وتحركت فيه أطراف، واعتمر قبعة الإرادة، فيه الحديقة بساتين، والحجرات الصغيرة ميادين، والأبجدية لغات، واللقمة أطباقاً، والوحدة ألفة..
فيه الوقت طال لكنه رحُب، والعزلة فيه وحدة لكنها مشيئة،
والقلة فيه كثرة، والتوحّد فيه إثراء..
فالوقت حين يُوظَّف لغير الذات يكون الهدوء فيه فسحة للالتحام بذوات الآخرين!
في هدوء هذا الوقت نسيج الذات فضاء لا مدى له..