عبده الأسمري
في سجلات الأدب والثقافة كانت «المحن» و«الأوبئة» و«البلاءات» مواد خام للإنتاج الثقافي والأدبي وتمكن روائيون كبار في العالم من استخدام فنون الرواية والقصة والشعر في توظيف المشاهد الإنسانية والمسالك البشرية لتلك الأزمات مواءمين بين المعرفة والظرف موجهين بوصلة «الكتابة» إلى منتجات ترصد «الهموم» وتسخر «المصائر» في صناعة المنتج الأدبي.
وهنا أعلن أنني سأقدم عملاً روائيًا عن «كورونا» بدأت نسج حروفه منذ بداية المحنة وسأعمل من خلاله على استخدام «شخصيات» كانت واقعًا في المشهد مع إسقاط التداعيات من خلال «مؤشرات سلوكية» و«تنبؤات بشرية» على الحياة والتعاملات.
وعلى غير الأعمال الروائية الأخرى سيغادر «الخيال» مشاهد الرواية نظرًا لمزاحمة التفاصيل الواقعية لكل فرضيات السرد الحكائي حيث تتجلى الحقائق لتعلن أيام الحداد وتلوح بأنين النتائج وسأركز على إبراز دور «الجنود المجهولين» في مواجهة الأزمات من خلال العسكر المرابطين بالميدان الساهرين على راحة السكان والطواقم الطبية الرابضين في أروقة المستشفيات الواقفين في خطوط الدفاع الأولى خوفًا على صحة الآخرين وقبلهم أولئك «العمال الكادحين» الذين يواجهون التعاسة والانتكاسة يوميًا على مدار الساعة سعيًا لجعل البيئات نظيفة إضافة لكل من تسلم مفاتيح الأمانة ليفك ألغاز أزمة كورونا التي جعلت العالم على «هم واحد» و«غم متحد».
الأدب رسالة سامية والثقافة وسيلة راقية لإيصال الصوت ورصد الحدث ونعيش وقتًا نحن في أمس الحاجة فيه إلى تنوع التثقيف والتركيز على اتجاهات عدة لتعديل الخلل وموجهات متعددة لتصحيح الخطأ سواء في جانب السلوك أو مجال التنشئة..
من خلال مراحل الرواية ينظر البشر على كورونا من زوايا عمرية مختلفة معظمها منفرجة وبعضها حادة وننتظر أن يتعامل معها الجميع بزاوية قائمة تعتمد على الدقة في قياس «الأوضاع» بين ضلعي «الحذر» و«الخطر».
في روايتي ستكون الشخصيات من العرب والعجم ومن المسلمين وأصحاب ديانات أخرى وسينطلق السرد الروائي والرصد المتوالي من غيابت «الطب» إلى غياهب «الفاجعة» وستظل الوقائع متلاحقة في «انتظار» الدروس و«تحين» العبر.. والمضي إلى اللوذ بكل «نعمة» ماضية تم تجاهلها وبات البكاء عليها «مشهدًا حتميًا» حاضرًا في الزمن الكوروني.
في الرواية تفاصيل متعاكسة ومفصلات متضادة تتعلق بخزي المال أمام لذة العافية وحيرة السلطة أمام فاجعة القدر وما بين سطورها «أنين» الضعفاء من المجازفة و«حنين» الأغنياء إلى البساطة و«يقين» البسطاء نحو القناعة..
تأتي الرواية واضحة الملامح جلية المعالم تتخذ من «الخوف» عاملاً مشتركاً في كل الفصول التي تتلبس فيها الشخصيات رداء التوجس وتصاب وسطها بداء الضعف الذي كان النقطة التي تشكلت منها كل مجسمات «الذعر» في قلوب اعتادت تجاهل النداءات وتغافل الاحتياطات يطل المكان في الرواية كشاهد عيان على «أزمة الموت» ويأتي الزمان كمؤشر حاضر وسط المعطيات وأمر مغيب في عالم «الغيبيات» وسط مستقبل ألغى مع كورونا كل التأكيدات وحتى التنبوءات.
وسط الرواية يأتي «الفيروس» كجرس إنذار أطلق النداء دون توقف لتتشكل «مكونات» المنتج الروائي من عموم «البشر» الذين لا ينتمون إلى فئات «المناضلين» مهنيًا في هذه المعركة لينعم العامة بحظوظ متساوية في استقبال الضغوط وإرسال الردود في هيئة «رضا» إجباري أو «قنوط» اختياري.
في الرواية ترك كورونا كثافة معرفية هائلة حيث حول المجتمعات البدائية التي تجهل آليات الوقاية وطرائق التثقيف إلى أخرى تواجه المخاوف بموانع الاحتياط وحواجز الانضباط مما سيثري أبعادها بالعديد من وسائل الدهشة ومناحي الاندهاش في سبر أغوار محيطات بشرية تحولت بين عشية وضحاها إلى مجمعات منعزلة تنشد الطمأنينة وتستجدي السكينة.
بين الأزمات والاستنتاجات ارتباط وثيق فيأتي الأدب ليقول كلمته عبر مركبات «التجربة» ومكونات المرحلة في ظل الحاجة الملحة إلى حس إنساني وإحساس ثقافي يربط بين الأزمة والمهمة.
روايتي القادمة عن كورونا هي إنتاج ذهني ونتاج فكري استلهمته من «وحي» الحياة لأكمل به فراغات «التساؤلات» وأملأ به فجوات «التوقعات» ماضيًا لأضع توقيعي الأخير «وقعًا» في ذاكرة القارئ واستذكار المتلقي.