رمضان جريدي العنزي
الأزمات الكبيرة والثقيلة تترك أثرًا بليغًا في الروح والجسد، لكنها تعطي درسًا بليغًا لعمل الغد، وتقرع الأجراس لنا منبهة، يجب أن نغير خططنا وتعليمنا وصحتنا واستثمارنا وتنميتنا وتكافلنا وأهدافنا وتفكيرنا وكل شيء سلبي فينا سابق الأزمة، وأن نغير من قناعاتنا الكسولة التي أسكنتنا في الخدر طويلاً، وحتى نظامنا الاستهلاكي الفردي يجب أن يتغير فورًا نحو الادخار المقنن والمنظم، يجب أن يتوقف عبث الاستهلاك الكثيف، والتبذير المخيف، والإسراف الحرام، والتباهي الباهت، و(الهياط) الكبير، يجب أن نترك اللهاث وراء الموضة، و(الهجولة) في الأسواق من غير حاجة، واقتناء الأشياء من غير هدف ولا حاجة ولا ضرورة، يجب أن نبتعد عن الضجيج الكاذب، والروايات المضخمة، والتنافس المر، يجب أن ننتصر للمثقفين والمفكرين والواعين والمبدعين الحقيقيين، وأن نركل التافهين والدجالين والمهرجين والحكائين ونبعدهم عن الساحة والفضاء. إن درس كورونا الخطير يجب أن نحفظه جيدًا، وأن لا ننساه حينما نتخطاه بحول الله، يجب أن نستمر كما كنا في الأزمة وفق حس جماعي واعٍ وترابطي متين، علينا أن لا نتشبث بالنرجسية والروح الانفرادية، وعلينا أن نكون كما نحن ذئابًا في الأزمات واعين، وفي غير الأزمات واعين، أن كورونا وباء كباقي الأوبئة التي مرت على البشرية وسينتهي كما انتهت الأوبئة قبله، لكن علينا أن نعي الدرس نفقهه ونفهمه، وأن لا نجعله يمر علينا مرور الكرام، وأنا مؤمن بأن التغير نحو الأفضل سيحدث وسيحصل بعد عبور هذه الأزمة، لأن الكل أصابه الوعي وتلبسه وأيقن بوجوب التغيير والاستحداث، حتمًا سيتغير كل شيء بعد هذه الأزمة الحادة، فالكل استفاق من حلمه على كابوس مزعج، أن الإنسان المتشبث بالحلم والأمل والتطلع والتغيير سيهزم هذا الوباء وسيقهره، أن الأزمات تظهر مدى رقي وجدية الناس في الحفاظ على أنفسها ومستقبلها ومكتسباتها التي حازت عليها عبر عقود من العمل الدؤوب. إننا قبل هذا الفيروس لن نكون حتمًا بعده، فالعادات والسلوكيات السابقة ستتغير، والوعي الجمعي العام سيتحول، سنكون قد تدربنا على عادات جديدة في النظافة وإلقاء التحية وطريقة الأكل والحفاظ على مساحات الأمان، وتجنب التجمعات اللاضرورية وغيرها من السلوكيات الخاطئة، وعندما تعود الحياة إلى طبيعتها بشكل كلي سنرى حتى الأفكار والقوانين والنظريات والمسلمات والأولويات ستتغير، وهذا هو الوضع الطبيعي الذي يتبعل أزمة كبرى، فالأزمات تعطي ذوي العقول والألباب الدروس والعظات والمحفزات نحو الأفضل والأجمل والأحسن والأنجح. حفظ الله بلادنا وولاة أمرنا ومجتمعنا والمقيمين معنا والإنسانية جمعاء من شر هذه الجائحة ومن كل مكره.