فقدنا هذا الحبيب الغالي العم أبا يعقوب في هذه الأيام العصيبة التي ابتلي العالم فيها بجائحة كورونا، فكانت امتحانا عسيرا نسأل الله أن يلطف بنا جميعا. فقد توفي في يوم الأحد الخامس من شهر شعبان لعام 1441هـ الموافق 29-3-2020م بعد حياة حافلة بالعطاء والخير.
والعم أبو يعقوب من قيادات العمل الإسلامي في دولة الكويت وكان وزيرا للأوقاف فيها (1976-1981م) ثم تسنم منصب الأمين العام للهيئة الخيرية الإسلامية العالمية منذ تأسيسها عام 1984م واستمر في هذا العمل الجليل خمسة وعشرين عاما حافلة بالعطاء والمثابرة وكانت هي سنوات التأسيس لمنظمة إسلامية عتيدة تقف على رأس الهرم الخيري في دولة الكويت العزيزة. وكان قبل ذلك عضوا فاعلا في جمعية الإصلاح الاجتماعي في الكويت.
وإذا قيل في دولة الكويت «العم» انصرف الذهن إلى أبي يعقوب؛ وكان يشاركه في هذا اللقب قبل ذلك صديقه ورفيق دربه العم أبو بدر عبدالله المطوع -رحمه الله-الذي سبقه إلى الدارة الآخرة قبل عدة سنوات. وبفقد أبي يعقوب وأبي بدر قبله تفتقد دولة الكويت -بل العمل الإسلامي كله- قامات نذرت نفسها للدعوة والبذل والعطاء؛ فلله دَرّهم؛ فقد كانوا زينة الكويت والخليج من غير أن نغمط الآخرين حقهم، فالأمة ولود، والخير باقٍ في أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى يوم القيامة.
زرنا العم أبا يعقوب مع وفد من الهيئة الخيرية قبل سنة ونيف في منزله وجلسنا عنده قليلا وبشرناه أن عمل الهيئة الخيرية مستمر، وأن ما بذروه من خير مستمر في العطاء. نقول ذلك لأننا نعلم حرصه على الهيئة وعلى العمل الإسلامي عامة.
تتحدر أسرة العم أبي يعقوب من نجد وبالذات من بلدة السُّليِّل في وادي الدواسر كما ذكر ذلك دكتور عبدالحسن الخرافي في كتابه الجليل «رمز العمل الخيري الكويتي- العم يوسف جاسم الحجي». إذ كانت نجد (وهي تشكل قلب الجزيرة العربية) تمرّ بها فترات صعبة، فكان أبناؤها يغادرونها بحثا عن سبل العيش الكريم فساحوا في دول الخليج والعراق وبلدان الشام ومصر والهند وغيرها. ولا يزال بعض تلك الأسر مرتبطا بأقربائه في المملكة العربية السعودية.
وقد نشأ الشاب يوسف في جو علمي متدين؛ إذ كان خاله هو الشيخ عبد العزيز الرَّشيد (البداح) مؤرخ الكويت، وكان والده يرتاد به حلقات العلماء ومجالس الوعظ من المشايخ كالشيخ عبدالله الخلف الدحيان والشيخ أحمد الخميس والشيخ عبدالوهاب الفارس. فانطبع التدين فيه، مزينا بخلق جم وتواضع عجيب.
عرفتُ العم أبا يعقوب -رحمه الله- منذ ثلاثة عقود تقريبا فكان مما يميزه في ظني عدة أمور: أولا: التدين الصادق (ولا أزكيه على الله)، فهو حريص على الطاعات ومسارع إليها. وتجده دائما ينظر في ساعته متحريا أوقات الصلوات. والخصلة الثانية: التواضع الجم والأدب الوافر؛ فهو لا يشعرك بأنه وزير سابق أو مسؤول على رأس هيئة خيرية مزدهرة. بل تلقى منه التواضع الجم ونسيان الذات. والأمر الثالث: حبه للخير؛ فلا يني يبذل ويسعى للمساعدة ويحرص على تتبع حاجات المسلمين وتلبية ما يستطيع منها. وإذا جلست في مكتبه فلن تُعدَم من يأتي شاكيا الحال وقل أن يخرج خالي الوفاض. فهو محب للمساكين وهي صفة من الصفات التي جاءت في الدعاء المرفوع عن النبي، في حديث معاذ: «اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين...».
والأمر الرابع الذي تميز به العم أبو يعقوب هو الانضباط؛ فقد كان حريصا على الأوقات. فكنا نلتقي في اجتماعات في المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة في القاهرة فكان من السابقين إلى الحضور والتبكير للجلسات من غير ملل ولا شكوى. وشاركْنا في الاحتفال بمرور خمسين سنة على دخول الإسلام في سيؤول بكوريا فكان أول القادمين وأول من يحضر للجلسات: ولم تمنعه السن من أن يكون سباقا... وما أكثر الأمثلة على ذلك! بل إنه في الجلسات لا يكاد يفارق كرسيه إلا لوضوء أو نحوه. كان العمل هو شغله الشاغل فكان يحرص على أدائه دون ضجر. وإن لم يجد راحة في المجلس صبر وانتظر، وقد تلحظ في محياه التعب أو الضجر لكنه يصبر ويصبر.
في هذه الأجواء التي فرضها وباء كورونا على العالم يرحل علم من أعلام الخير والدعوة.. وإني لأتقدم بالتعازي لكل أبنائه وأهله ومحبيه وللإخوة والأخوات في الهيئة الخيرية وفي جمعية الإصلاح وفي وزارة الأوقاف، بل في دولة الكويت كلها.. فرحم الله العم أبا يعقوب وأسكنه فسيح جناته وأنزل على ذويه ومحبيه السكينة والرحمة ورزقهم الصبر والسلوان. و(إنا لله وإنا إليه راجعون)
** **
د. صالح بن سليمان الوهيبي - الأمين العام للندوة العالمية للشباب الإسلامي- الرياض