د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
العجيب أن العالم كان يتهم «أوبك» بأنها تحاول رفع أسعار النفط، واليوم يطالبها برفع أسعار النفط، حتى وكالة الطاقة الدولية التي ترى نفسها منظمة موازية لمنظمة أوبك، وتعتبر أوبك كـ«أرتيل» مناهض للسوق الحرة، وحتى المدافعون عن استقلال الطاقة الأمريكية، يطالبون السعودية اليوم بالتدخل لوقف نزيف سوق النفط. وهذه المرة كان هناك تدخُّل مباشر من الرئيس الأمريكي الذي دعا السعودية بصفتها زعيمة منظمة أوبك إلى التدخل لإنقاذ أسواق النفط العالمية من الانهيار.
لم تكن السعودية هي السبب في فض هذا التكتل بل بسبب رفض روسيا الموافقة على خفض مليون ونصف المليون برميل يوميًّا، لكن الدعوة اليوم إلى خفض نحو 10 ملايين برميل يوميًّا من النفط، بل وكالة الطاقة الدولية ترى أنه لن يكون كافيًا للحيلولة دون تراكم هائل لمخزونات الخام العالمية في الربع الثاني من 2020.
لأول مرة نرى أن هناك أعضاء من الكونغرس يطالبون وزير خارجية أمريكا في 25 مارس 2020 بإقناع السعودية بأن تنفصل عن أوبك، وتنضم إلى الولايات المتحدة في تحالف يقوم على أسس السوق الحرة، والبعض الآخر يطالب بإجراءات ضد السعودية وباقي المنتجين باعتبارهم يناقضون مفاهيم السوق الحرة، ويطالبون بفرض رسوم حمائية، لكنهم نسوا أن الساسة الأمريكيين السابقين فشلوا طيلة الفترة الماضية في تفكيك منظمة أوبك، ونسوا أيضًا أن السعودية تصدر النفط إلى مصفاة موتيفيا في بورت آرثر في تكساس التي تمتلكها بالكامل وتصدر إليها 600 ألف برميل يوميًّا، وتعد أكبر مصفاة في الولايات المتحدة، واشترت السعودية مصنعًا للكيماويات في تكساس في سوق تنمو فيه سوق الكيماويات أسرع من سوق البنزين، ويتم تصنيع زيوت الأساس بطاقة 40 ألف برميل يوميًّا.
وتمتلك السعودية مصافي كثيرة في أنحاء العالم، ويبلغ إجمالي قدرات هذه المصافي 5.4 مليون برميل، إما بملكية كاملة، أو بالمشاركة. وهي رابع دولة في العالم منتجة للمنتجات المكررة، وهي تستهدف 8 ملايين برميل في 2025، وأن تصبح دولة مصدرة للمنتجات المكررة في 2030.
لكن في الولايات المتحدة عقلاء يفهمون أهمية السعودية، وما تمتلكه من عمق في سوق النفط، وأن ما عملته للحفاظ على حصصها السوقية في وقت تراجع فيه الطلب وغياب التعاون الدولي، وخصوصًا أنه في ظل التحالف السابق «أوبك بلس»، فإن دولاً مثل البرازيل والولايات المتحدة وكندا تستفيد من خفض الأسعار.
أمام هذا التغيُّر وافقت السعودية على طلب الاجتماع، واشترطت عند قبول هذا الاجتماع أنها تبحث عن اتفاق عادل لإعادة توازن السوق، وروسيا هي الأخرى ترفض المشاركة إذا لم يتم التخفيض من الشركات الأمريكية بجانب التخفيض السعودي. وهناك سيناريو لتقسيم تخفيض 10 ملايين برميل يوميًّا، قدمته (وول ستريت جورنال)، يشمل 1.5 مليون برميل من روسيا، ومثلها من دول الخليج غير السعودية، ومليونَيْن من أمريكا وكندا والبرازيل، والسعودية تخفض 3 ملايين برميل؛ وبذلك تكون السعودية قد حققت أهدافها عندما لجأت نحو الحفاظ على حصصها حتى يتحمل العالم مسؤوليته المشتركة.