سام الغُباري
في اليمن وحدها، دونًا عن بقية أقطار الكرة الأرضية، كانت هناك قصيدة شعر مُقفاة معلنة، تنتهي بحرفي الألف والنون، هم أول من اكتشف «الرحمن»، كاسم لله -عز وجل-، وسألوا موفد النبي صلوات الله عليه: أهو «الرحمن» أم «الله»، فجاء جواب الله إليهم: {قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى}.
هؤلاء هم أسلافي، الموحدون دومًا، غير أن في إيمانهم نكهة شعر، قصيدة مُغناة تسترسل بعذوبة في أسماء مناطقهم وقصورهم وجبالهم، تبدأ من أطراف صعدة بقبائل خولان، وتنتهي في سقطرى بفرع من خولان أيضًا.
أنا ولدت بالقرب من جبل اسمه «عرمان»، وغادرت إلى مدينة يحرسها جبل جميل وأخضر يسمى «هران»، وكان شيخ مدينتينا رجل شهم لقبه «ذعفان»، وفي طريقي إلى رحاب اليمن، طفت بقصر «غمدان» الذي أحالته الإمامة السوداء إلى فرن للخبز!، تسكعت بالقرب من جبال «عيبان»، وتزوجت أكرم النساء من ريف «شوكان»، ومن قصر سلحان في مأرب انطلقت أولى أعمال المقاومة الشعبية الوطنية لصد موجات التتار الحوثية قبل انطلاق عاصفة الحزم بأسابيع.
كثيرة هي الأسماء هذه، مترامية كأنها قافية معلقة على جدار معبد أوام التاريخي، مثل نوتة موسيقية تعزفها كلما فتحت وجه اليمن لتطرب إيقاعك الأثير، وأنت تؤلف سيمفونية مدهشة، وحولك يردد اليمانيون أنشودة النصر مثل جوقة أوركسترا متناغمة، حدث ذلك قبل أيام، من سلسلة جبال «هيلان» الاستراتيجية الممتدة لمسافة 18 كيلومتراً من أعماق مأرب الجديدة إلى عاصمة سبأ الأولى «صرواح».
كانت أرض المعركة مثل مسرح يوناني قديم، عندما أطل ثلاثة قادة أفذاذ على وجه التحديات، وقرروا أن ينالوا معًا من محاولات الميليشيا الفارسية الباغية على أرض اليمن، كان الفريق «فهد بن تركي» قائد القوات العربية المشتركة عن الجانب السعودي، والفريق «محمد بن علي المقدشي» وزير الدفاع اليمني، ومزواد القبيلة السبئية الشيخ: سلطان بن علي العرادة، قيل مأرب ومحافظها، ومعهم أحفاد التبابعة يلقنون الشاردين المتسكعين على أرضهم الجميلة دروسًا بليغة بالرصاص والقذائف، ومن رباط الخيل يرهبون به أعداء الله الذين تسوّروا على النبوة العربية المطهرة، زاعمين أنهم ورثتها، فخابوا وخسروا، ورددت «هيلان» قصيدتها، وعلت أصوات الرجال صائحة: الله أكبر، وتحسس «عبدالملك الحوثي» رأسه، وقد أفاق على نعوش رفاقه المقربين مطوحة في الجبال، وقد أدرك أن الله استجاب لدعاء عجوز صنعاء وهي ترفع يديها إلى السماء صائحة «جعلتم مطوحين في الجبال»، فابتلعتهم رمال الجوف وطردتهم جبال هيلان من شعابها، ولا تزال أقدام الرجال تخطو بثبات نحو صنعاء، مثل بلدوزر عتيد وعنيد يحصد كل عين خائنة.
قبل 1440 عاماً كان الصحابي الجليل «حسان بن ثابت» يُلقي قصيدته الجزلة الرائعة، يقول في مطلعها:
لنا ملك ذو القرنين هل نال ملكه
من البشر المخلوق خلق مصور
فتبسم النبي صلوات الله عليه قائلاً: «وأنا يمان».
وإلى لقاء يتجدد.