عمرو أبوالعطا
تعترينا كثير من الأزمات في حياتنا، فنجزع ونندب حظنا، ونتساءل ما تلك الجائحة التي تطاردنا لتلحق بنا الكوارث والضوائق واحدة تلو الأخرى، وقليلا ما نتعامل مع تلك العوارض باطمئنان مطلق بأن «هذا الوقت سيمضي» وأن الأمر إلى انقضاء. وثمة من يكتفي بعبارات فضفاضة مسبوكة وجاهزة مثل قوله «ربّ ضارة نافعة»، أو «لعلها خيرة» فنتململ ونستاء لأن الأفق لا يلوح بأي تباشير أو منفعة قادمة ولو من بعيد. إن ظلاماً دامساً يحل على بعض أيامنا حتى نكاد ننسى النور، وحتى تتسع حدقات أعيننا علّها تبصر أو تتبصر نوراً ولو من ثقب إبرة متناهية في الصغر، ولكنها أيضاً لا تجد.
يحبس الناس أنفاسهم وهم يتابعون آخر تطورات فيروس كورونا المستجد، وانتشاره حول العالم، فالفيروس الشرس لم يكتف بتهديد صحة البشر، بل تجاوز ذلك إلى ضرب اقتصادات العالم، وشل الأنشطة الحياتية المختلفة التي نقوم بها.
ورغم أن كورونا يعد مرضاً شرساً أصاب مئات الآلاف حول العالم، كما أسقط آلاف الضحايا الذين فقدوا حياتهم بسببه، إلا أنه «رب كورونا نافعة».
فقد لجأ العالم إلى العديد من الإجراءات الوقائية كمحاولة لمنع الإصابة بالعدوى، مثل التعقيم والاهتمام بالنظافة وعزل المرضى. ورغم أن هذه الإجراءات لم تكف للقضاء على هذا الفيروس، إلا أنها محاولات انتشاره.
فهذا الوباء جعل العالم أكثر حرصاً على النظافة، مما سيغير الكثير من عادات الناس في الحفاظ على النظافة الشخصية.
كشفت صور الأقمار الصناعية أن تلوث الهواء في شمالي إيطاليا والصين، قد انخفض بشكل حاد بعد أن أجبر كورونا على الحد من النشاط البشري، فالحالة البيئة على مستوى العالم تحسنت بشكل كبير على خلفية تفشي فيروس كورونا المستجد، وذلك لأن العديد من المؤسسات الصناعية التي تسببت في تلوث الهواء توقفت عن العمل.
اضطرت الكثير من الشركات للسماح لموظفيها بالعمل من منازلهم، وقد أثبتت بعض الإحصاءات أن الحالة النفسية والصحية للموظفين قد تحسنت بفعل هذا الإجراء، خاصة أنه وفر عليهم وقتاً كان يضيع عند ذهابهم إلى العمل أو عودتهم منه، شهدت مؤسسات القطاعين العام والخاص ما قد يسميه البعض رشاقة إدارية بشكل منقطع النظير، والتي رغم أننا مضطرون لاتباعها فإنها لم توقف الكثير من الأعمال، حيث تم الحد وبشكل كبير من أغلب سفريات العمل والاجتماعات غير الضرورية، والأمر الأكثر إبهاراً حقيقة هو العمل عن بُعد الذي وصلت إليه العديد من الأعمال والوظائف والممارسات كالتعليم والتجارة الإلكترونية والإجراءات الحكومية وغيرها، وكل تلك أمور تستحق التقييم والتطوير لمرحلة ما بعد الكورونا للاستفادة من انخفاض تكلفتها وفعالية أدائها، فالعمل عن بُعد فكرة ليست جديدة، إذ تطبقها شركات التكنولوجيا الشهيرة مثل مايكروسوفت وأبل وأمازون وتويتر، وتوظف من خلالها أفضل العقول من جميع أنحاء العالم لتطوير منتجاتها ولزيادة الإنتاجية ولخفض التكلفة أيضاً، بل إن هناك مؤسسات تكنولوجيا عربية قد حققت وفورات جمة منذ سنوات انطلاقاً من العمل عن بُعد، ناهيك عن الشركات الناشئة التي تسير على نفس الخط. وفي دول مجلس التعاون الخليجي يجري الحديث عن بدايات تطبيق فعلي للعمل عن بُعد في الدوائر الحكومية والخاصة، كما تتفاعل المطالبات في السعودية ودول أخرى عبر وسائل التواصل الاجتماعي في نفس الاتجاه.
«الزم بيتك».. شعار مواجهة الفيروس القاتل، وهي الحياة التي افتقدها المجتمع تدريجياً في العقود الأخيرة، وكانت أحد أسباب التفكك الأسري، الآن أجبر فيروس كورونا الأسرة على الالتئام مرة أخرى، وتعزيز الترابط داخل محيط الأسرة، من خلال تواجد كل أفراد الأسرة معًا أطول فترة ممكنة، هناك انعكاسات إيجابية أيضًا في استقرار الكيان الأسري (تربويًا ووجدانيًا ونفسيًا وسلوكيًا واجتماعيًا)، حيث من المعروف وطبقًا للدراسات الاجتماعية الحديثة، أن اجتماع الأسرة على المائدة ولو مرة واحدة في اليوم؛ يؤصل روح المودة والمحبة ويرفع مؤشر لغة الحوار المنزلي في قالبه الإيجابي، وينمي المشاعر الوجدانية ويحقق التوازن النفسي والانفعالي والسلوكي, ويعزز من قيم الوعي في نفوس ووجدان الأبناء, فضلاً عن تعويد الأطفال على أهمية وجود وقت للأسرة، وبالتالي يزيد من ارتباطهم بمفهوم الأسرة التي تشكل الأمان والحصن والاطمئنان للفرد، وكذلك زيادة شعور الأطفال بالمسؤولية تجاه وجودهم كأفراد ضمن هذه الأسرة، وارتباط الأخوة ببعضهم البعض.
مسحة التدين، يسود المجتمع الآن شعور بالخوف، ومناجاة السماء لدفع الابتلاء، الموت قريب، والوباء لا يفرق بين الناس، ومن يتجول بمواقع التواصل الاجتماعي سيجد النزوع الإيماني في تصاعد.