سمر المقرن
ما زال الإنسان عبر التاريخ يخوض المعارك ضد الثالوث الخطر (المرض والجهل والفقر (ولو تمعنّا في أزمة كورونا لوجدنا فيها المعارك الثلاث واضحة المعالم، معركة ضد المرض تقودها وزارة الصحة، معركة ضد الجهل يقودها الإعلام بما فيه إعلام الجهات الأمنية وتحديداً «الأمن العام»، معركة ضد الفقر (بسبب تعطّل الحياة الاقتصادية) وتقودها عدة جهات رسمية مالية وتجارية ومبادرات فردية.
في المعركة ضد المرض، رأينا كيف كانت ضراوة تلك المعركة مع وباء ذكي وشرس، وكيف كانت الكوادر الصحية تقاتل بلا استسلام، وكيف وضع الممارس الصحي روحه على كفه ليكون بطلنا الحقيقي الذي نصبنا له تمثال النصر في قلوبنا، كيف نحتفل بالمتعافين ونهتم بالمصابين ونترحَّم على المتوفين، كيف يسهر الطبيبات والأطباء ويتفانى الممرضات والممرضون ويتسابق المسعفات والمسعفون لإنقاذ الأرواح.
وفي المعركة ضد الجهل الذي يغذِّي المرض، كان ولا يزال للإعلام والإعلاميين معركتهم الخاصة ضد الممارسات الخاطئة والحث على الالتزام بالتعليمات الرسمية من مصادرها، وكيف يمكن لكل إعلامي حقيقي أن يكون شعلة تنير للناس حقيقة هذا الدرب، بنقل الحقيقة شفافة كما هي، والمساهمة في نشر الوعي ليضع المواطن أمام مسؤوليته المبنية على الوعي لا على التلقين.
وفي معركة الفقر، ومع تعطّل أجزاء كبيرة من حركة الاقتصاد الداخلي والدولي بسبب كورونا، اتخذت الجهات الرسمية عدة خطوات من خلال ضخ حزمة من الدعم المالي للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وأخرى للقطاعات المهمة لكي تستطيع الصمود أثناء ظروف هذه المعركة، بل في هذه الملحمة البطولية، وانتفضت هيئات ومؤسسات لتقدّم الاستشارات المجانية لكل من يطلبها بشكل يتجاوز البيروقراطية ليصل لكل رائد أعمال بسرعة تفوق أحياناً سرعة القطاع الخاص، ولا ننسى مبادرات الخير وتزاحم الناس على المساعدة وتقديم المعونة كل حسب إمكانياته في مشهد لا يُستغرب عن مجتمع نمت جذوره في حب الخير.
وفي أزمة كورونا، وما بعدها، ستنجح دول وتفشل أخرى، ستنجح من تستطيع الموازنة بين المعارك الثلاث باقتدار، ستنجح الدول التي كان الإنسان هو رافدها الأول ومخزونها الإستراتيجي الأمثل، ستنجح عندما يكون الاقتصاد وسيلة والإنسان هو الهدف، ستنجح عندما تتخذ القرار لمصلحة المواطن لا بواسطة المواطن، كما تفهم وتفعل حكومتنا الآن. أما الدول التي فضَّلت الانتصار بمعركة دون الأخرى فستُهزم بجميع معاركها وستكتشف أن كل معركة مرتبطة بالأخرى ولا يكمن الفصل بينها، ستفشل لأن أهدافها مرحلية ومعاركها وقتية مرتبطة بسعر الفائدة وصكوك الرهن العقاري وقيمة التداول بأسواق الأسهم، بعد انجلاء غبار تلك المعارك سنكتشف أن عظمة الدول تنبع من عظمة الإنسان في تلك الدول، وأن الدول المتقدِّمة إلى العالم الأول هي المتقدِّمة إنسانياً، وأن جدول ترتيب الدول بين العوالم الثلاثة سوف يتغيَّر!