د. محمد بن عبدالله آل عمرو
عانت الدبلوماسية السعودية منذ زمن طويل من ضغوطات الأحزاب والمنظمات الحقوقية الأوروبية والأمريكية على وجه الخصوص التي تدعي العناية بحقوق الإنسان، وفي مقدمتها البرلمان الأوروبي الممثل لجميع دول الاتحاد الأوروبي، وهو من أقوى المنظمات التشريعية في العالم، وعلى الرغم من الاضطهاد والظلم الذي يقع على الإنسان في تلك المجتمعات حد الموت جوعاً وغرقاً وانتحاراً، إلا أن المملكة العربية السعودية لم تسلم من سهام الاتهام والابتزاز والمساومة على مبادئها وقيمها المستمدة من العقيدة الإسلامية السمحة وعدالة التشريع الإسلامي، المبنية على مبدأ كرامة الإنسان، من خلال تسليط الضوء على بعض المخالفين للنظام العام وتعريض أمن وقيم المجتمع للمخاطر، الذين يخضعون للمحاكمة، فمنحتهم الجوائز العالمية والأوسمة التقديرية واللجوء السياسي ونحو ذلك، واصفة إياهم بالناشطين الحقوقيين ودعاة حقوق الإنسان، ومن خلال التدخل السافر في خصوصية ثقافة المجتمع السعودي والمطالبة الفجة بضرورة إلغائها والتحول عنها إلى خصوصية الثقافة الغربية، وقد تعاملت الدبلوماسية السعودية مع تلك الحملات بكثير من الحكمة والحصافة وبيان وإيضاح عنايتها الحقيقية بحقوق الإنسان ذكراً كان أو أنثى، كبيراً أو صغيراً، مواطناً أو مقيماً، مع الحزم في منع تجاوز ممارسة الحريات الشخصية إلى العبث بحقوق الآخرين الدينية والمدنية، ومنح أولئك المخالفين كامل حقوق المحاكمات العادلة بدرجة تفوق المتعارف عليه والمعمول به عالمياً. وقد تشرفت من خلال عملي السابق في الأمانة العامة لمجلس الشورى مع عدد من زملائي أعضاء المجلس، وكذلك عدد من أعضاء المجالس البرلمانية الخليجية بإيضاح وبيان تلك السياسات الحكيمة لدولنا أمام لجنة العلاقات مع شبه الجزيرة العربية في البرلمان الأوروبي، غير أن ممثلي الأحزاب الصغيرة المتطرفة المدعومة من المنظمات الحقوقية المشبوهة لا تود أن تعي أو تعقل ما يقال.
وفي ضوء السياسة الحكيمة للمملكة التي تنشد الارتقاء المدروس لحقوق الإنسان لتبدوا أكثر جلباً لمصلحته وسعادته في ضوء المتغيرات المتسارعة محلياً وعالمياً فقد تم تحديث وتفعيل بعض الأنظمة ذات العلاقة واستحداث أنظمة جديدة بغية جعل الإنسان في المملكة الأكثر راحة وسعادة كما أراد الله تعالى له أن يكون عزيزاً مكرماً، لم تميز في ذلك بين مواطن وغير مواطن.
أما وقد كشفت جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد - 19) زيف تلك القيم الواهية لحقوق الإنسان في الغرب إلى الحد الذي أصبح فيه اقتصاد الدولة في المقام الأول من الأهمية قبل الإنسان، وفي مقابل ذلك تجلت حقيقة القيم السامية تجاه الإنسان في سياسة المملكة العربية السعودية التي أعلن عنها خادم الحرمين الشريفين في كلمته الضافية للمواطنين، وكما عبر عنه أمره الكريم بمجانية العلاج لكافة المرضى من السعوديين والمقيمين وحتى مخالفي نظام الإقامة، وقد تعدى اهتمامه - يحفظه الله - تجاه الإنسان أينما كان في هذا العالم كما ذكر - يحفظه الله - في القمة الافتراضية لمجموعة العشرين. فلعل هذا الموقف السعودي المتفرد في العناية بحقوق الإنسان يوقظ العقول الغافلة والضمائر المغيبة عند أولئك القوم فيكفون عن المملكة العربية السعودية أذاهم، ويجترعون سمومهم في نحورهم، وينشغلون بأنفسهم ومجتمعاتهم، ويتعلمون من قادة المملكة العربية السعودية وشعبها كيف تدار الأزمات، وكيف يبقى -الإنسان أولاً -.
** **
- الأمين العام السابق لمجلس الشورى