محمد آل الشيخ
في أوقات الأزمات والكوارث والنوازل يظهر ويتميز القادة العظماء. أزمة كورونا كانت بلا شك أزمة غير مسبوقة على الأقل في الماضي القريب، وإن كانت الجوائح والأوبئة مظهرًا من مظاهر الكون الطبيعية، التي تتكرر، وتأتي في أشكال مختلفة. آخر وباء جاء في بدايات القرن العشرين، وتحديدًا في السنتين الأخيرتين من العقد الثاني منه، وكانت تسمى الإنفلونزا الإسبانية، التي تعارف عليها في المملكة حينها باسم (سنة الرحمة) أو (سنة الصخونة)، وأكاد أجزم أن من جايل ذلك الوباء وعايشه، قد توفاهم الله قاطبة، ولم يبق منهم أحد؛ أضف إلى ذلك أن القوم حينئذ لم يكونوا يعرفوا لا أسبابه ولا بواعثه، فلم يذكر لنا تاريخنا القريب المدون أنهم كانوا يعرفونه، ولا يعرفون حتى اسمه العلمي.
فيروس كورونا وباء مثل ذلك الوباء، وكان يحتاج لمواجهته والتقليل من آثاره، رجالاً على قدر تحدي هذا الوباء ومآلاته، ويتعاملون معه بعلم أولاً، وثانيًا بشجاعة وإقدام واتخاذ القرار الصحيح في الزمن الصحيح، غير آبه بردود أفعال المرجفين أو الانتهازيين، والسعوديون يتفقون على أن معالجة القيادة واستعدادها وحسمها وحزمها كان له بعد الله القدح المعلى الذي جعله حتى الآن أقل أضرارًا وتفشيًا مقارنة بدول سبقتنا في المجال الطبي، كما أن (الشجاعة) التي تتطلبها بعض القرارات الصعبة كانت من أهم أسباب تمكننا حتى الآن من السيطرة عليه إلى حد كبير. ففي مثل هذه النوازل لا ينجح في مواجهتها إلا الشجاع المقدام الذي يتخذ القرار الصحيح في الزمن الصحيح، حسب ما تتطلبه مثل هذه النوازل غير المسبوقة في عصرنا. وحسب علمي أن الأمير الأمل محمد بن سلمان ولي العهد قد وضع التعامل مع هذه الجائحة نصب عينيه، وفرغ نفسه لها على مدار الساعة، لا يُشغله عنها شاغل، ولا يعيق قراراته أي عقبة، مهما كانت كأداء.
المملكة نجحت بكل المقاييس في احتواء هذا الوباء حتى الآن، بالشكل الذي جعلها مضرب المثل، ومطلبًا للاقتداء؛ يقول الأمين العام لمنظمة الصحة العالمية في تغريدة له على تويتر ما نصه: (هذا ما تعنيه الصحة للجميع، شكرًا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان على قيادتكم والتزامكم على حصول الجميع على الخدمات الصحية اللازمة لمكافحة COVID 19; نأمل أن تحذو دول أخرى حذوكم في القيادة والتضامن).. وهذه الشهادة، وفي هذا الزمن، تؤكد أن قادة هذه البلاد هم بالفعل مضرب المثل، كما أن معالجة هذه الجائحة، والقرارات التي اتخذها الملك سلمان ومعه ولي عهده الأمير الأمل محمد بن سلمان هي محل فخر واعتداد لكل السعوديين.
قرارات المملكة في هذه الشؤون ليست كقرارات أي دولة أخرى، فحساسية الحرمين، وكذلك مكة المكرمة والمدينة المنورة، تجعلها قرارات صعبة وفي الوقت ذاته متميزة، وشجاعة ولا يُقدم عليها إلا قادة متمكنون، يتمتعون بثقة شعبهم فيهم أولاً، وثانيًا ثقة العالم الإسلامي بهم، ولعل هذه القرارات كانت بعد توفيق الله السبب الذي جعل هذه الجائحة ينكمش تأثيرها إلى هذه الإعداد المتدنية في بلادنا، خاصة إذا ما قارناها بالكثير من دول العالم؛ فما نحن في هذه الجائحة إلا في محل الفرزدق الذي قال ذات صباح:
أولئك آبائي فجئني بمثلهم
إذا جمعتنا يا جرير المجامع..
إلى اللقاء