د. خيرية السقاف
أتوقع أن الباحثين الذين يعنون بدراسة مؤشرات التحول الجاد في القرارات، والأوامر الرسمية، سوف يجدون فيها محاور مهمة ورئيسة يقيمون عليها دراساتهم، وبحوثهم، ولسوف يحارون في أي منها يتم انتقاؤهم، ذلك لعددها المواكب، ولمساسها بكل مفصل في مرتكزات بنية متطورة للمجتمع بمؤسساته المختلفة، وبعناصره البشرية على اختلاف مجالاتهم، وطموحاتهم، وأدوارهم، هذه القرارات القيادية قبل الجائحة الطارئة -إن شاء الله- كانت قد وجهت عنايتها نحو التخلص من الترهل في البنية الوظيفية داخل مؤسسات المجتمع على اختلافها، وما يعتورها من خلل في التهديف، والإجراء، والإسناد، ومن ثم في النتائج، سواء في معايير الاختيار، أو طرق التنفيذ، وكل ما يؤدي إلى فساد إداري، أو مالي، أو إلى هشاشة في المحصلات سواء الثقافية، أو التعليمية، أو الاقتصادية... وغير ذلك مما تضطلع به مؤسسات المجتمع النظامية، والأهلية من أداء، ونتائج..
أما بعد نزول الجائحة الوبائية «كورونا» «كوفيد-19» فقد تخطت القرارات الرسمية، والأوامر القيادية سقف المتوقع بالنظر إلى مستوى جديتها، وسرعة مبادرتها، وفوريتها، وعمقها، وشمولها، ودقتها، وإنسانيتها، ومسؤوليتها، إذ فاقت في كل ما يتعلَّق بالجائحة سواء في شأن الاحتراز من تفشي الوباء بين أفراد المجتمع، أو في شأن احتواء المواطنين داخل البلاد وخارجها، أو في شأن الحجر الصحي المهيأة له التغذية، والإيواء، والنقل، والحماية، أو في شأن توفير العلاج حتى الشفاء بإتاحة المرافق الاستيعابية للحالات بمستوياتها مجاناً، أو في شأن منع السفر، واستقبال الموطنين، وإيقاف الطيران، ومنع التجول، والتدرج في المنع، أو في شأن تجنيد الأمن متابعة، وتمكينا، والصحة أطباء، ومعالجين، ومتابعين، ومحلِّلين، وممرضين، ومراقبين، أو شراكة وتعاضد جميع القطاعات الحكومية من القائد، وولي عهده، إلى أمراء المناطق، ومحافظيها، إلى الوزراء كل حسب اختصاصه وعلاقته، فالجميع وفق القرارات والأوامر العليا على قدم وساق، مع مساواة «الإنسان» مطلق إنسان على أرض الوطن في شأن العلاج، المواطن، بالمقيم، بمن يخالف نظام الإقامة، تفوَّقت الأوامر حتى شملت ضخ المجتمع بمليارات الريالات من خزينة الدولة لمواجهة تداعيات الجائحة توفيراً للأغذية، ودعماً للقطاعات الخاصة مما يقع عليها العجز بتوقف العمل، بمعونة العاجزين عن توفير قيمة الإيجار لتوقفهم عن العمل في فترة منع التجول، هذا المنع الاحترازي الذي كان من أوليات حماية الأفراد من العدوى مع أن توقف العمل يؤثِّر في الحركة الاقتصادية للمجتمع، والنفعية للأفراد لكن تولت القرارات الرسمية، والأوامر الملكية تعويض الأفراد، والمؤسسات عن خسائر فترة الانقطاع عن العمل وجعلت المواطن قبل المال، والإنسان فوق الخسارة..
وحيث إنها جائحة عالمية لم تقتصر علينا فقط، بل وردتنا من خارجنا فقد تفوَّقت المملكة مقارنة بنظائرها في جميع دول العالم في شأن مواجهة مغبات هذه الجائحة على جميع الأصعدة الصحية، والمالية، والبشرية، والاقتصادية، وارتقت أعلى درجات الإنسانية في تفاصيلها بهذه القرارات والأوامر العليا، ما يشير إلى أنها مادة خصبة للباحثين، والدارسين للغوص في آثارها في تاريخ ظهور وانتشار هذه الجائحة، وفيما سبقت به أي توقّع، وجاءت مبهرة بقوتها، وأهميتها، وفاعليتها، ونتائجها، وآثارها، مختلفة وعالية الإنسانية، والمسؤولية مقارنة بما اضطلعت به بقية دول العالم من مواقف مع شعوبها في مواجهة الجائحة ذاتها ...
لاسيما أن هذه الفترة فارقة في حياة الإنسان على مستوى تاريخ هذا العصر، وفي تاريخنا المعاصر.