بقلم/ هاروت ساسونيان:
لقد تغير العالم عن شكله الذي ألفناه تغيراً كبيراً في الأسابيع القليلة الماضية بسبب الانتشار غير المتوقع لفيروس كورونا القاتل، حيث أصبح مئات الملايين من البشر حول العالم معزولين في منازلهم، خائفين من الاتصال بأي شخص آخر قد يحمل الفيروس.
وقد كان رد فعل العديد من رؤساء الدول تجاه الفيروس بطيئاً بادئ الأمر، ناكرين أن انتشار الوباء مشكلة خطيرة تمس حياة الشعوب في بلدانهم، ولكن في نهاية المطاف، ومع تزايد حالات الإصابة بالفيروس، أدرك هؤلاء القادة الخطر المحيط بهم وبدأوا في اتخاذ تدابير عاجلة لحماية شعوبهم.
ومن هؤلاء القادة الذين اتصف تصرفهم بعدم المسؤولية بادئ الأمر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي كتب مايكل روبين، الباحث المقيم في معهد «أميركان إنتربرايز» في العدد الصادر في السادس عشر من مارس من صحيفة «ذا ناشيونال إنترست» مقالة مطولة بعنوان: «المقامرة بحياة 80 مليون مواطن: لماذا كذب أردوغان حول فيروس كورونا».
في هذا المقال يستند روبين إلى رأي الدكتور إرجين كوسيلدريم، أستاذ جراحة قلب الأطفال بكلية الطب بجامعة بيتسبرغ، الذي تناول في مقال له ادعاء الحكومة التركية بأنها ابتكرت وسيلة اختبار فعالة للفيروس وكذب هذا الادعاء.
ففي الأيام الأولى لانتشار المرض أنكر وزير الصحة التركي وجود أي حالات إصابة بفيروس كورونا في تركيا، واعتقلت السلطات التركية ناشطين تقول هذه السلطات إنهم روجوا لأخبار كاذبة عن انتشار الفيروس في البلاد، كما سجنت 64 آخرين بعد اتهامهم بنشر معلومات مضللة واستفزازية. وبالإضافة إلى ذلك فإن أعضاء «لجنة الصحافة التركية» التي تسيطر عليها الدولة تصر دائماً على أن «الجينات التركية» تجعل معظم الأتراك محصنين ضد المرض حسب قول روبين.
ويرجع روبين أكاذيب أردوغان حول عدم وجود فيروس كورونا في تركيا إلى «توليفة خطيرة من الغرور والجهل»، بينما الدافع الأكبر لذلك في نظره هو الخوف. ففي الوقت الذي تتحول فيه التركيبة السكانية في تركيا لصالح أردوغان - حيث تكبر العائلات المحافظة في قلب الأناضول مقارنة بعائلات الأتراك المتأثرين بأوروبا في وسط اسطنبول وساحل البحر الأبيض المتوسط - فإن الاقتصاد التركي يتعثر. وقد سبق لأردوغان أن تعهد في عام 2010م بأن تصبح تركيا ضمن أكبر عشرة اقتصادات في العالم بحلول الذكرى المئوية لتركيا في عام 2023م. ولكن تركيا ستكون محظوظة إذا نجحت في الاحتفاظ بموقعها ضمن أفضل 20 دولة، ذلك لأن وجود حزمة الفساد والمحسوبية والتدخل السياسي في الأعمال وسوء الإدارة، على نطاق واسع، كفيلة بإسقاط الثقة في الاقتصاد التركي في الهاوية.
وما يخشاه أردوغان حقيقة هو انهيار صناعة السياحة في تركيا بسبب تفشي وباء كورونا. ففي عام 2018م، ساهمت صناعة السياحة في دعم الاقتصاد التركي بما يقرب من 30 مليار دولار. وقبل عام واحد فقط، تعهد أردوغان بأن تستضيف تركيا 50 مليون سائح، ما يزيد هذا الرقم بنسبة 20 بالمائة على الأقل. أضف إلى ذلك استثمار تركيا بما يقرب من 12 مليار دولار في مطار إسطنبول الجديد، الذي يتوقع أن يكون أكبر مطار في العالم، حيث يستثمر فيه أردوغان وعائلته بشكل كبير.
ويبدو أن أردوغان سعى إلى التقليل من شأن تقارير فيروس كورونا بهدف تشجيع استمرار تدفق الدولارات السياحية. وهو حين يفعل ذلك لا يخدع السياح الروس والأوروبيين والأمريكيين فحسب، بل يعرض حياتهم للخطر. ولسوء حظ تركيا فإن الأتراك هم الذين سيدفعون الثمن، ذلك لأن تركيا مهددة الآن بأن تصبح منطقة التمركز التالية للوباء، حيث يقدر أحد الأطباء الأتراك أن ما يصل إلى حوالي 60 بالمائة من الأتراك مصابون الآن بالفيروس، وأن أردوغان يؤخر إجراء الاختبارات من أجل حجب حقيقة حجم الكارثة عن العالم. وحدوث الوفيات أمر حتمي، ولكن عدم المصداقية الذي اتسمت به تصرفات أردوغان تجاه الوباء قد يتسبب في وفاة آلاف الأشخاص، بالإضافة إلى العشرات الذين توفوا سلفاً ولم تبلغ السلطات عنهم.
وما زاد الطين بلة، كما هو الحال في العديد من البلدان الأخرى، أن الجمهور التركي ابتكر علاجات وهمية لفيروس كورونا، ومن ذلك ما سطره نزلان إرتان في موقع «Al-Monitor» من أن الأتراك يلجأون الآن إلى القنب وحساء الأغنام للعلاج من الفيروس.
ويؤكد ذلك عبد الرحمن ديليباك، وهو كاتب عمود إسلامي بارز في صحيفة «Yeni Akit» اليومية، قائلا إن القنب «يمكن أن يشكل حاجزاً رئيسياً ضد انتشار الفيروس على المستوى العالمي». وحث ديليباك، الذي يحظى بحوالي 700 ألف متابع على تويتر، أي حوالي ستة أضعاف حجم توزيع صحيفته، قراءه من الأتراك على تجنب تلقي أي لقاحات تأتي من الخارج لأنها في نظره قد تحتوي على عوامل تعقيم، رابطاً مثل هذه اللقاحات بالمؤامرات الآرية.
وعندما اقترح أستاذ جامعي تركي «حساء الأغنام» علاجاً للفيروس، تقاطر الكثيرون من الأتراك نحو المطاعم المحلية، مفضلين الحساء على التباعد الاجتماعي. وقد أوردت صحيفة الحرية (Hurriyet) في عددها الصادر بتاريخ 16 مارس أن تفشي فيروس كورونا تسبب في ارتفاع الطلب على «حساء الأغنام». وقال نادل بمطعم عصمت أوستا، وهو مطعم شعبي في وسط مدينة إزمير، إن الطلب على الحساء، سواء لتناوله داخل المطعم أو حمله إلى المنازل، زاد بعد سلسلة المقالات التي نشرت عنه.
وحول ذلك أوضح محمد سيلان، رئيس جمعية الأمراض المعدية، في برنامج إخباري عرض على شاشة أن تي في (NTV) في 16 مارس، أن كل هذه العلاجات - سواء الخل أو أي نوع من أنواع الحساء، لا جدوى منها، مضيفاً أن هذه المعالجات غير علمية ولا ينبغي الترويج لها في وسائل الإعلام.
تجدر الإشارة إلى أن تحولاً قد طرأ في نهج المسؤولين الأتراك تجاه الفيروس في الأيام الأخيرة، وأنهم الآن باتوا يحثون السكان على البقاء في منازلهم لتجنب العدوى. ونأمل ألا تكون هذه الإجراءات متأخرة للغاية وأن ملايين الأتراك ليسوا بالفعل في خطر، ذلك لأن الأعداد المعلنة عن الإصابات والوفيات بسبب فيروس كورونا لا تعكس الأرقام الحقيقية.
وفي هذا الظرف الحرج، نتمنى للجميع صحة جيدة، بغض النظر عن الجنسية أو الدين أو لون البشرة، ونأمل أن يكون هذا المرض الخبيث قد ساهم عن غير قصد في التقريب بين الشعوب والأمم بهدف مكافحة هذا العدو المشترك غير المرئي.
** **
- هاروت ساسونيان هو ناشر صحيفة «The California Courier»، وهي صحيفة أسبوعية تتخذ من غليندال بولاية كاليفورنيا مقراً لها. يشغل ساسونيان منصب رئيس الصندوق الأرمني المتحد، وهو ائتلاف من أكبر سبع منظمات أرمنية أمريكية.