عبد العزيز الصقعبي
لديه مكتبة صغيرة في بيته، هي منتجعه الخاص، وملاذه، ذات يوم قرر أن يستغني عن بعض الكتب، ولا سيما أن المكان المخصص لها في البيت لا يحتمل زيادة أعدادها، وهو بطبيعته لن يتوقف عن شراء الكتب، إضافة إلى ما يصل إليه من إهداءات، جلس عدة ساعات يتأمل تلك الكتب، ويتذكر لحظات اقتنائها، يعرف أن بعضها وربما جزء ليس بالقليل جاء بعملية قيصرية، قد يستغرب البعض هذا الوصف، ولكن فعلاً في سنوات سابقة وحين يسافر ذلك القارئ لبعض الدول العربية لزيارة معرض الكتاب بها، أو عندما يذهب لبعض مكتباتها ويشتري كتبًا، ويعود إلى الوطن حاملاً عشرات الكتب التي تبث السعادة في داخله، يمر ببعض المنافذ الحدودية، وعندها يعيش حالة قلقل لتجاوز ذلك المنفذ، هو من محبي القراءة، ويتلهف على اقتناء كل جديد تصدره دور النشر العربية، ولكن ليس في ذهنه أكبر من ذلك، مشكلته حين يكون موظف الحدود لديه حساسية من شكل الكتب، فهو من دون أن يطلع على الكتب يطلب من موظف آخر أو عامل أن يذهب بها لموظف الرقابة، يتبعه القارئ وقلبه يخفق، ولسانه يلهج بالدعاء، أن يحمي أولاده القادمين معه وأن يخرجوا بسلام، من غرفة الولادة، تصل إلى الرقيب، وهنا تتضح مدى مهارة من يرى الكتب، فيكون أحد ثلاثة الأول يتسم باللطف والوعي، ويعرف أن تلك الكتب لا تحمل في ثناياها مادة تي أن تي، بل إنها تبث إشعاع تنوير، والثاني يعيش حالة البين بين ويخاف من القرار لذا يرصد أسماء الكتب في بيان ويطلب من صاحبها مراجعة المركز الرئيس لتسلّم ما هو مفسوح منها، وهنا ثمة أمل بأن تصل الكتب ليد من هم أكثر وعيًا، ولكن بالطبع ليس بالسهولة، فهنالك معاملة تحتاج لمراجعة وربما تأخذ عدة أيام، الثالث وبالطبع مثله قلّة، ويشكل له الكتاب مصدر رعب، فيطلب بتركه، دون أن يدون العناوين، ويتشبث البعض بكلمة «الأوامر» على الرغم من أن من هم بالأعلى ويصدرون الأوامر أكثر وعيًا ومعرفة، وأكثر حبًا للكتب.
أصبحت حكايات المنافذ الآن من الذكريات، وبالطبع لا أحد يعترض أبدًا على عملهم، فثمة خطوط حمراء يجب ألا يتجاوزها من يحضر كتابًا، وبالذات فيما يتعلق بالدين والوطن، وصاحبنا من هؤلاء أحبوا الكتاب بهيئة المسالمة المبهجة، وهو الآن يريد أن يسمح لبعض الكتب بالتنحي عن أماكنها بعد زمن طويل بقيت فيه على الرفوف دون أن تصل إليها يديه، وهنا المأزق، الكتب قيمتها المعنوية أهم من قيمتها المادية، ويخاف أن يأتي يوم ويجدها في مكان سيء أو تتلف، وهذا وارد جدًا.
يتذكر عندما كان يدرس في علم المكتبات أن أغلب المكتبات تقوم بفرز ومراجعة مقتنياتها وتقييمها ليتم التخلص الجزئي من بعضها الذي أصبحت معلوماتها قديمة أو توقف الاحتياج لها، ويدعى ذلك باللغة العربية «التعشيب»، مكتبته صغيرة وإن امتلأت بالكتب ولم يتبق مساحة للزيادة، ولكن تلك المكتبات الأخرى لا تتخلص من الكتب تمامًا ولكن تنقل إلى أماكن بعيدة للحفظ الدائم، كأنها مقابر، هل يموت الكتاب، ورد هذا السؤال بذهنه وهو يفكر بوضع الكتب، وجاء في ذهنه حديث أحد أصدقائه، في أحد معارض الكتب عندما قال، الكتاب قدره الخلود، والبقاء، ليس كجسد بل روح يمثلها المحتوى والمضمون، ما أكثر المخطوطات التي حفلت بها المكتبات العالمية، ومع ذلك، آلاف الكتب والمخطوطات أبيدت في أزمنة سابقة، ويستشهد بالتتار وما حدث بالأندلس، ولكن في هذا الزمن هنالك كتب بنيتها ضعيفة، غالبًا واهية، هل ستصمد، بقي السؤال معلقًا.
يعرف أن هنالك من اتجه إلى الكتب الإلكترونية، وأراح نفسه من عبء الحصول على الكتاب، وعبء حمله، ووضعه على الرف، وأصبح لكل شخص مكتبة إلكترونية في حاسبه المكتبي أو المحمول أو اللوحي أو هاتفه الذكي، مكتبة لا يلج إليها الشخص إلا من خلال نافذة تمثلها الشاشة، ولكن من أحب الكتب لا يجدها متعة، طال الوقت وهو يفكر، وحينها وصل إلى قرار صعب قليلاً لديه، وهو أن يضع بعض القواميس والموسوعات وكتب المصادر التي تتكون من أجزاء متعددة في كرتين ويضعها في مستودع بيته، أملاً أن يأتي يوم وتفتح في حيهم مكتبة ويضعها فيه مع كتب أخرى.
ارتاح من التفكير قليلاً، وتساءل لو كانت المكتبات العامة موجودة في أغلب الأحياء، مثل أغلب دول العالم المتحضرة هل ستكون أغلب المكتبات المنزلية الصغيرة بهذه الضخامة.