سهام القحطاني
أطلقت هيئة الأدب والنشر والترجمة مبادرة «أدب العزلة»، وتهدف هذه المبادرة إلى «تحفيز الكتّاب على الإبداع أثناء البقاء في المنزل للوقاية من فيروس كورونا، إضافة إلى اكتشاف مواهب أدبية تثري المشهد الأدبي».
وقيمة هذه المبادرة تكمن في استثمار أزمة كورونا كمحفز إبداعي مُشجع على إعادة بناء مفهوم العزلة وترسيخ دلالتها الجمالية والترفيهية، ورفع توهم «الهم والضيق» المُصاحب لمعنى العزلة ودلالاتها التجاورية المتوهمة أو النمطية، وهو ما يعني التشجيع على تحول العزلة في الذهن الجمعي من مُؤثر سلبي مرتبط بالحبس والوحدة إلى مؤثر فاعل مرتبط بتغيير طريقة التفكير والسلوك ومُنتِج لتجربة متعددة التنوع ما بين الأدبية والثقافية والتوثيقية.
إضافة إلى استثمارها في صناعة الإطار التاريخي لهذه الفترة وما يرتبط بها من تجديد الأنماط الفكر والسلوك، وهو ما سيجعل زمن كورونا منعطفًا تاريخيًا ليس على المستوى الاجتماعي والتعليمي فقط بل حتى على مستوى الأدب سواء في جناحه التوثيقي أو السردي.
لا شك أن «مصطلح العزلة» سيصبح من أشهر المصطلحات الثقافية المتداولة في زمن كورونا، لكن ما مدى واقعيته في زمن مواقع التواصل الاجتماعي وقنوات النقل والأخبار؟.
فالأصل في العزلة جبرية «الانفراد» سواء المعنوية أو الإجرائية وهذا الأصل يكاد يكون معدومًا فأنت الآن تستطيع من حجرتك أن تتواصل مع العالم كتابة وقراءة وصوتًا وصورة، مما يجعل العزلة في دلالتها الحقيقية طابعًا معنويًا من كونه مادي الوقوع والفاعلية، وهذا المسار في تحول الدلالة سيُصعّب على المبدع خلق حالة الاندماج الكلي مع واقعية العزلة أو خلق نموذج تعايش حقيقي لدلالة معنوية، لأنه محكوم بتلك الواقعية التي غيّرت اليوم خصائص أدب العزلة؛ باعتبار أن الأدب هو تعبير عن الواقع.
تنبني أغلب نظريات النقد علي قاعدة أن» الأدب مرآة المجتمع».
وقد توحي تلك القاعدة بأن الأدب مجرد «إعادة تدوير الواقع» وهو فهم قد ينزع خصائص الخلق الفني من النص الأدبي ويحوله إلى تسجيل وثائقي.
في حين يرى البعض أن الواقع هو مجرد مصدر تحفير لا محاكاة وأن التجربة الأدبية الموازية للواقع هي ضرورة لأنسنة الأدب وليس لإعادة تدوير الواقع أو توثيقه وإلا أصبحت التجربة الأدبية معادلاً لوثيقة تاريخية بأسلوب أدبي، وهو رأي يرفع عن التجربة الأدبية إلزامها بالمسؤولية التوثيقية والإرشادية أو الإصلاحية ويمنحها الاستقلال المطلق للتشكّل والتشكيل في ظل حصانة حرية الفكر والإبداع.
وتلك الجدلية تجعل التجربة الأدبية في زمن كورونا أمام خيارين أن تكون ممثلة للواقع أو معبرة عن النموذج الحقيقي لدلالة العزلة.
لا شك أن ثمة محفزات لصناعة التجربة الأدبية منها الحدث والسلوك والأزمة والتغيير.
و العزلة في مستوييها الإجباري والاختياري هي محفز سيكولوجي دافع لإنتاج نموذج توصيفي ووصفي للبوح والتعبير وانعكاسهما على نموذج واقعي أو افتراضي، لأنها؛ - العزلة - تخلق صدمة شعورية تضطرب معها النمطية التي اعتاد عليها المرء سواء على مستوى الوعي أو طريقة التفكير أو الممارسة السلوكية، وذلك الاضطراب يؤدي إلى إرباك معتقدات الفرد أو الجماعة في أنطقتها المختلفة الوجدانية والعقلية.
وذلك الإرباك يصبح المؤثر الأقوى في صناعة التجربة الأدبية، لأنه يفكك روابط الوعي النمطي ويفتح مجالات جديدة للتأمل ويجدد مؤشرات ترتيب الأولويات، ويُرشدنا إلى زوايا مختلفة للحياة.
وهو ما يمنحنا القدرة على خلق تجربة مغايرة، تسهم في إعادة تشكيل رؤيتنا للأمور وممارساتنا السلوكية والأهم أنه يعلّمنا أنماطًا جديدة للحياة تنقلنا من طور إلى طور بدعم مباشر من المعرفة وقنواتها، وهذا ما ستثبته الأيام؛ أن «كورونا» نقطة تاريخية ثم سطر لتاريخ جديد.