عبدالرحيم آل مسلط
أثبتت أزمة فيروس كورونا (COVID-19) أن ما يحدث في أقصى شرق العالم قد يؤثر وفي وقت سريع جدًا في أقصى غرب العالم، وأن العالم بالفعل أصبح قرية صغيرة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ما يحدث في بيت من بيوت هذه القرية يؤثر في بقية أهل القرية. سواء أكان ذلك في مجال الصحة أم الاقتصاد وحتى الأمن كذلك.
هذا الأمر لا يدعو فقط للحصول على المعلومات والمعرفة، بل الأهم من ذلك هو توقيت الحصول عليها وكيفية تحليل هذه المعلومات وبالتالي الاستفادة منها بالشكل الصحيح وفي الوقت المناسب. فوقت الحصول على المعلومات هو المعيار الرئيس لتقييم أهمية المعلومات وليس المعلومات في حد ذاتها. وهنا يأتي دور مراكز الأبحاث الوطنية المتخصصة سواء كانت مراكز الأبحاث الطبية أو مراكز الأبحاث الاقتصادية، أو مراكز الأبحاث الخاصة بالأمن الوطني التي تتميز بالشمولية في مجالاتها، بحيث تعنى بكل ما يتعلق بالأمن الوطني سواء كان في المجال الصحي أو الاقتصادي أو العسكري أو حتى الفكري أيضًا، فكل هذه المجالات لها أهميتها في دعم الأمن الوطني.
ومما يدعم نجاح مراكز الأبحاث الخاصة بالأمن الوطني في تحقيق أهدافها، أولاً: أن تحدد هذه المراكز توجهها الإستراتيجي وأهدافها بكل دقة ووضوح آخذة في الاعتبار القوانين الدولية والمحلية. ثانيًا: أن يكون لديها كوادر بشرية محترفة وذات خبرة عالية في جمع البيانات والمعلومات في الوقت المناسب، ولديها خبراء في تحليل البيانات والمعلومات ويتمتعون بمهارات عالية في الاستنتاجات والتوقعات المستقبلية، كذلك لديهم المهارة في إعداد التقارير للمستويات الإدارية المختلفة.
فطرق إعداد التقارير التي تقدم للمستويات الإدارية المتوسطة تختلف تمامًا عن طرق إعداد التقارير التي تقدم لمتخذ القرار في المستويات العليا الإدارية من حيث الدقة والتركيز والاختصار، وكذلك من حيث طريقة عرض الخيارات المتاحة لمتخذ القرار وما تنطوي عليه هذه الخيارات من إيجابيات وسلبيات لأن ذلك يسهم وبشكل مهم جدًا في اتخاذ القرار الأنسب ولا أقول القرار الأفضل. وهنا تلعب الأتمتة والرقمنة أهمية بالغة في إعداد هذه التقارير.
ثالثًا: يجب أن يكون لهذه المراكز مصادر معلومات في أهم العواصم في العالم، وألا يقتصر عملها في جمع المعلومات على ما يتوفر لها داخليًا فقط، بل يجب أن يكون لها طرقها للحصول على المعلومات والمعرفة وفي الوقت المناسب. ويكون ذلك بالتنسيق مع مراكز البحث العالمية المنتشرة في أنحاء العالم وبطرق غير مباشرة وهناك العديد من هذه الطرق.
مخرجات مراكز الأبحاث الخاصة بالأمن الوطني ذات أهمية بالغة جدًا في أي دولة، حيث تمثل هذه المخرجات لوحة القيادة (Dashboard) لمتخذ القرار التي بناء عليها يقيم الوضع وبالتالي يتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب.