خالد الربيعان
كيف حالك حبيبي القارئ، الحمد لله أولاً وآخراً على وجودنا معاً، حتى هذه اللحظة، وليكن ما يكون فيما بعد، ابتسم من فضلك فنحن الحمد لله «نعيش»، نتنفس ونأكل ونشرب وننام، لسنا ضمن قوائم المصابين، ولا أي قوائم أخرى لا قدَّر الله.
لست كاللاعب/المواطن/المغربي/الإنسان: عبد الحق نوري! من؟ أقول لك «تعال نتسلى»، منذ 3 سنوات لو رأيته في صورة تجمعه بزملائه في نادي أياكس فلن تشعر بشيء! موهبة صغيرة في طريقها للنجاح بلا شك، فجميع زملائه بالصورة أصبحوا نجوماً كباراً، دي ليخت، فان دي بيك، زملاؤه المغاربة الشباب: زكريا لبيض ونصير مزراوي وحكيم زياش الذي نعرفه جيداً.
فجأة وفي مباراة أياكس أمام بريمن الألماني وكانت مباراة ودية: سقط -نوري- دون أن يلمسه أحد، عُطْل في تدفُّق الأكسجين إلى المخ، توقُّف بالقلب، ظلام تام، من الخارج يقولون إنها غيبوبة طويلة، لكنك لا تشعر بكل هذا، أنت لا تشعر بشيء، نوم! تفيق منه وتفتح عينيك لتجد أقرب الناس منك بجانبك على فراش طبي بغرفة عناية مركَّزة، والدك يقول لك إن كل شيء على ما يرام، يمر الوقت فتشعر بالملل، أنت لا تتحرَّك تقريباً ما زلت، تمر الأيام فتتحسَّن ببطء، تشغل التلفاز، يمر الوقت لتهبط عليك كل كلمة كالصاعقة!
التاريخ مارس 2020؟ يوليو 2017! أنا متأكد، 2020، أنت في غيبوبة لمدة 3 سنوات، التاريخ 2020، ليس هذا فقط، بل أنت تسمع عن وباء عالمي يفتك بالناس وتحرك دولي وحشد أمني وحظر تجول! كمامات، مدرعات ودبابات، أقنعة الغاز التي تعود لزمن الحرب العالمية، كل شيء توقف، مستحيل! أكيد هذا حلم، بل كابوس سخيف قائم على أفكار وتخيلات تغذيها مشاهد من أفلام نهاية العالم التي رأيناها!
كل لحظة تمر وتؤكد لك أن هذا واقع، واقع العالم، وواقعك أنت، كسيوف حادة تقطعك من الداخل، تتمنى أن تعود للغيبوبة مرة أخرى، لكنك تتمناها ولا تجدها! ماذا فعلت لأستحق هذا! ليس هذا فقط، بل إن السوشيال ميديا والقنوات العالمية تتحدث عن... نوري.. عني أنا!
مذهل أن تكون آخر من يعلم، آخر من يعلم عنك أنت! ما يخصك، نمت وعمرك 18، فأصبحت 22 سنة! أياكس كان يدفع الراتب - مشكوراً - فترة الثلاث السنوات، لتحسين صورة النادي وجانب المسؤولية الاجتماعية فيه، لكن هذا قبل الكورونا، قبل أن تظهر على السطح تلك الظروف الإنسانية النادرة التي تُظهِر -فعلاً- معادن الناس والأشياء..
أياكس بعد الكورونا - بعد الطوفان- أعلن عن وقف تعاقد «نوري»، في هذه اللحظة تحديداً! لا يهم هذا الشاب وما نفعله فيه، فقد 3 سنوات من عمره في صدمة كبيرة، وصدمة أكبر بمواجهة وباء عالمي وظروف مثل هذه، فلنقتل فيه الأمل، لنجعله طريح الفراش، يتابع أخبار الكورونا وتوقُّف الكرة عالمياً، وحتى إذا رجعت فهو مثله مثل أي متفرج! يتابع من الفراش، على التلفاز، وكل شيء: يُذكِّره بصدمة «عنيفة» و«نادرة» قد يمر بها أي إنسان.. خاصة إذا كان شاباً صغيراً ما زال هشاً في مواجهة الحياة!
أعتقد أن الصورة الكاملة - الحقيقية- اتضحت الآن، أنتم تتاجرون بالأطفال، تأتون بهم في سن السابعة، «حزمة من العرب» وخاصة المغاربة..«حرِّيفة ونحبهم»، «يجيبون يوروهات»، حزمة من الأفارقة، حزمة أوروبيين من دول كرومانيا وكرواتيا وصربيا، في أياكس 18 لاعباً من 27 «مجنسين وأجانب»، نبيعهم مثل «دي ليخت» ليوفنتوس و«دي يونج» لبرشلونة و«زياش» نبيعه لتشيلسي لو أمكن!
قد تقول في نفسك أن أياكس على حق، لكني أقول لك أنه ليس كذلك، وليس في هذه اللحظة تحديداً تقوم بتفعيل هذا الحق، أياكس جعل أي شاب وأي نجم يفكر «كثيراً» قبل الالتحاق بأكاديمية النادي وهو تفكير لا يفيد النادي بالمناسبة،
وهناك مستوى آخر من التفكير عند بعض الناس، الذين قد يرون - ومنهم أنت - أن هناك نادياً «رياضياً» كبيراً كان سبباً في «تدمير شاب» معنوياً ونفسياً! وحتى جسدياً بعد أن اعترف النادي بالقصور العلاجي داخل الملعب نفسه، وقت بداية الغيبوبة!
ماذا بعد؟!
أياكس الآن يتفاوض حول مستقبل اللاعب، وسيصلون لتسوية: الدافع من ورائها أولاً وآخراً هو التخلّص من ضغط الرأي العام العالمي وخاصة الرياضي، وتحسين صورة النادي -المثالية- التي أصابها التشوّه، ما يعنيك ويعنيني الآن، أننا أفضل حالاً من غيرنا، وأن سنوات «ما بعد كورونا»، تنتظر عملاً شاقاً لتغيير الإنسان نفسه، الذي يصبح في بعض الحالات أقل تحضَّراً ورحمة من «فيروس»!