د. محمد بن إبراهيم الملحم
في حديثي الفائت عن التعلّم عن بعد كحل مهم ومطلب أساس للتصرّف في أزمة إيقاف المدارس (ولا أقول إيقاف الدراسة) بسبب جائحة مرض كوفيد-19 فإني أوضح أولاً أن ما تطرقت إليه بشأن عدم تفعيل «منظومة التعليم الموحّدة» للتعلم عن بعد ليس المقصود به عمل المنظومة ذاتها كمنصة إلكترونية فهذا حاصل منذ اليوم الأول، وأنا شخصياً أدخل إلى رابطها فأجده يعمل، وإنما المقصود «تفعيلها»، فأنت إن دخلت إما لا تعثر على المدرسة (فهي لم تعرّف بعد) وهو ما حصل معي في الأسبوع الأول، أو أن المدرسة تفتح لك شاشتها (وهو ما حصل في الأسبوع الثاني) ولكن لا يوجد أية دروس لمعلمي المدرسة! ولو حاولت أن أتوقع السبب فإن لم يكن هو تعذّر إمكانية دخول المعلّم نفسه (تعريفه كمستخدم) فقد يكون عدم استعداده (التقني أو المهاري) للدخول وتشغيل النظام أو التعامل معه فقد يكون بحاجة مثلاً إلى من يهيئ له جهازه أو من يدربه على الاستخدام؟ في النهاية هذا كله «عدم تفعيل» ومسؤولية الوزارة أن تبادر إلى التعامل معه أياً كان السبب.
وحيث لم تعمل المنظومة فقد يممت وجهي شطر قناة «عين» التي نشطت منذ اليوم الأول للدراسة عن بعد، لذا فقد فتحت البث وتفرّجت على دروس في عدة مراحل من المرحلة الابتدائية حتى الثانوية بشقيها العلمي والأدبي، والواقع أني سبق لي مشاهدتها من قبل عندما أطلقت في البدايات الأولى وكانت لي بعض الملاحظات على الدروس المقدَّمة، ووجدت أنها لا تزال موجودة حتى اليوم، فمثلاً وجدتها حينئذ تتسم بالرسمية جداً، إذ يتحدث المعلم الفصحى حرصاً على اقتداء الطالب، وهو أمر محمود لكنما التكلّف فيه خاصة في الموضوعات التي يكد فيها الذهن وتتسم بالعمق كالرياضيات والعلوم لا يخدم تسهيل الفهم، لذا ينبغي أن يتحرَّر المعلم قليلاً ليتمكَّن من الانطلاق في شروحاته وأمثلته، وهذا في الواقع ما يمارسه معلمو هذه المواد «الصعبة» يومياً في فصولهم بالمدارس، ولكن عندما يحضر زائر ما يتحولون إلى هذه الصورة الرسمية المملة والتي تصعب الفهم أحياناً لتفلت المعاني من قبضة اللغة المتكلَّفة، وكان يجب أن تتحرَّر دروس القناة من هذا القيد لتكون أكثر فعالية، كانت هذه ملاحظتي في باكورة إنتاجها وأظن أن تلك الدروس مسجلة، حيث كان هناك طلبة يجلسون بالإستوديو ويتحدث معهم المعلم وكان جلوسهم وحديثهم أيضاً رسمياً متكلَّفاً نوعاً ما.
ما لاحظته هذه المرة من أمور جعلني أتوقع أنها بث مباشر حي على الهواء فهي ليست مسجَّلة على ما بدا لي، (وصححوني إن كنت مخطئاً)، حيث كانت هناك لحظات يتحدث فيها المعلم إلى المصور دون أن يشعر أن الكاميرا لا تزال تعمل! أبرز ما لاحظته هو تراجع جودة التدريس النوعية بعض الأحيان وكذلك وجود بعض الأخطاء (والتي لا يسلم منها أحد) ولكنها في حق مادة تبث على نطاق جماهيري لا تليق وينبغي لها أن تضبط، كما لاحظت أن بعض الدروس اتسمت بالارتجالية وعدم تنظيم الأفكار بشكل فعَّال، ويغطي على ظهور هذا العيب جودة المعلم وخبرته المتكرِّرة في تقديم الدرس سابقاً، ولكن إذا غاب هذا العامل فإن التقديم يصبح ضعيفاً من الناحية البيداغوجية التربوية، أما السبورة فهي في عدد كبير من الدروس التي شاهدتها غير منظمة، ومن الواضح أن المعلمين المشاركين يشكون من فقر مدقع في فن تنظيم المحتوى على السبورة، ولن أعلق على جودة الخط طبعاً والذي لا يرتقي إلى الطموح الأمثل ولكنما هو عموماً مقبول، وهذه الإشكالية غدت اليوم «مما عمّت به البلوى»، وهناك مشكلة أحياناً في جودة الصوت وأحياناً في الإضاءة، هناك نقطة مهمة أيضاً وهي وقوف المعلم أمام الكاميرا وحجبه للمعلومات خلفه، وأحياناً يتكرّر ذلك بطريقة مزعجة للناظر، ولا نلوم المعلم لأنه تعود أن يشرح في الفصل الاعتيادي بالمدرسة وهذه الوضعيات تتماشى مع ذلك المكان لكنها مع مساحة الرؤية المحدودة للكاميرا تتطلب منه أن يغيِّر مفهومه نحو أين يقف ومتى يقف وكم مدة وقوفه وحركته وهذه كلها مهارات ينبغي أن تقدم له في برنامج تأهيلي تدريبي قبل التصوير، ويجب أن يكون من يقدِّم هذه البرامج التدريبية متقناً لهذا الفن، أي كأننا نتحدث عن مخرج يؤهل مجموعة المعلمين المشاركين في هذه الدروس، وهذا يعني أيضاً ضرورة أن تقدّم الدروس مسجّلة تمت إجازتها من خبراء تدريس وتعمل بمهنية راقية فيما يخص الإضاءة والصوت وزاوية التصوير وظهور المعلومات والاستعانة بالوسائل التعليمية المعينة والمقاطع الفيديوية المتعلّقة بالموضوع لإضافة التشويق وجعل الدرس مثالاً أنموذجياً يقتدي به أي معلم في المملكة من خلال عمق المعلومة وخبرة المعلم المقدم وقدراته المتفرِّدة في الشرح والإيضاح، وهذا ليس صعباً فلدينا معلمون متميزون يحتاجون فقط إلى شيء من الصقل والتدريب ليقدّموا مثل هذه الدروس فيكون لدينا محتوى نفخر به ويسعفنا متى احتجناه. أتمنى ذلك.