د.فيصل النمري
نحن والعالم نمر بجائحة #فيروس_كورونا التي لم تشهد البشرية مثيلاً لها منذ عقود من الزمن على الأقل. بلا شك سيكون لها عواقب وآثار على طريقة تعليم وتأهيل وتدريب ذوي الإعاقة حول العالم. قد تكون تلك الآثار سلبية إن طالت المدة. ولكن بالنظر إلى نصف الكأس الممتلئ، قد تكون هناك فرص جديدة للعمل بطرق مختلفة والتفكير خارج الصندوق. قد تكون هذه الأزمة بمثابة نداء لجميع من له علاقة بالقطاع من مقدمي خدمات وممارسين وأسر وجهات خاصة؛ حكومية ومسؤولين في إعادة النظر في طرائق تقديم الخدمات وآليات الوصول لها وتجويدها.. كيف ستغير هذه الأزمة من آليات ودينامكيات تقديم خدمات الرعاية والتأهيل لذوي الإعاقة؟ هل سيبقى الوضع كما كان عليه قبل الأزمة؟.. هذا ما سأعرج عليه على عجالة في السطور المقبلة.
قبل كورونا.. بعد كورونا
1- طريقة ومكان تلقي الخدمات..
قبل كورونا.. كان تلقي الخدمات التأهيلية والتدريبية لذوي الإعاقة في المراكز، المدارس والمستشفيات والعيادات، حيث يأتي الطفل إلى المركز ويتلقى جرعة معينة من الخدمات (مثلاً ساعات معينة من خدمات علاج اللغة والتخاطب أو خدمات مكثفة من قبل فريق متعدد التخصصات) حسب الاحتياج أو حسب المتاح.
بعد-كورونا.. قد نرى التحوّل من تلقي الخدمات التأهيلية في المراكز والعيادات والمدارس إلى المنازل أو إلى تلقيها عن بعد حيث يتم تقديم الخدمات عن طريق البث المرئي (أو ما يعرف بالطب الاتصالي) حيث يتم تقديم التدريب للشخص ذي الإعاقة من قبل المختص (إن كان ذلك مناسباً طبعاً) أو تدريب أسرته على كيفية التعامل معه وتدريبها في جوانب النمو المختلفة وحسب نوع الخدمة المقدمة.
سنسخر ضاحكين على هاشتاق (#حول-عالتقنية) لأنه بذلك الوقت قد أصبح لا انفكاك من التقنية واستخدامها في أبسط روتينات حياتنا اليومية.
2- انتقال مسؤولية تقديم الخدمة من المختص إلى الأسرة
قبل كورونا.. بالرغم من أهمية إشراك الأسرة في عملية التصميم والتخطيط والتنفيذ للخدمات المقدمة، إلا أن مشاركتهم لم تكن أساسية أو كانت على استحياء أو غير منظمة في معظم الأحيان. فكأن تقديم الخدمات كله موكل لمقدم الخدمة والأسرة دورها في غالب الأحيان ثانوي.
بعد-كورونا.. سيكون للأسرة دور رئيس في تقديم الخدمة وبشكل منظم. وسيتم تقديم الدعم لها من قبل المختص. سيكون هناك دور للأب، وللأم وللإخوة والأخوات. كما تعلمون فإن عدد الأشخاص ذوي الإعاقة يفوق عدد المختصين المتمرسين، وقد يكن ذلك جلياً في بعض الدول أكثر من غيرها. أيضاً ليس كل فرد من ذوي الإعاقة يحتاج تلقي جميع الخدمات من قبل المختص. هذا التغيير في نموذج تقديم الخدمة يتماشى مع ما نادت به منظمة الصحة العالمية
(World Health Organization,WHO) في عام 2008 عندما أقامت المؤتمر العالمي الأول لتفويض المهام.. حيث كانت المطالبات إلى «تحويل المهام أو تفويض المهام» في تقديم خدمات الرعاية الصحية الأقل تعقيداً إلى أفراد آخرين لا يتطلب تدريبهم على تقديم تلك الخدمات الوقت والتكلفة العالية. كان هذا التوجه بناء على الإحصائيات التي تشير إلى قصور عالمي في أكثر من 57 دولة في عدد المختصين في المجال الصحي وأن تطبيق مبادرة تحويل المهام (أو تفويض المهام) هو الحل الأمثل لإيصال الخدمات لأكبر عدد من الأفراد وتقليل تكلفة تقديم الخدمة عن طريق المختص.
3- طريقة تصميم البرامج العلاجية والمدة التي تأخذها هذه العملية
قبل كورونا.. كان تصميم الخطط العلاجية والتأهيلية لذوي الإعاقة تقليدي ولم يكن بالأمر السهل فهو يمر بعدة مراحل، تبدأ من أن يقوم المختص من مقابلة الأسرة لفهم الحالة، وملاحظة الحالة ومراجعة السجلات وتطبيق بعض الاختبارات ومن ثم تفسير وتحليل البيانات (الذي يأخذ الكثير من الوقت ويميل في بعض الأحيان لعدم الموضوعية) ومن ثم يتم اتخاذ قرارات اكلينيكية مناسبة. وإن كان المختص لا يملك القدرة على فعل ذلك فقد يستطيع البحث عن مصادر المعرف الموثوقة ، يستطيع أن يستشير المشرف أو من هم أكثر خبرة وإلمام في أيّ سؤال يطرأ عليه.
بعد كورونا.. لا شك أنه لا مفر من اللجوء إلى التقنية؛ التقنية هي الحل الوحيد والمتاح أمامنا.. إن القدرة على حفظ الوقت المهدر، (الذي يمكن هدره بين عملية التقييم إلى الوصول إلى الخطة العلاجية) وتحليل البيانات وتلقي الدعم الآني والآلي هو الطريقة الأساسية والمثلى والأقل تكلفة، حينما تكون الأسرة هي المدرب الرئيس لطفلها من ذوي الإعاقة. سنذكر هنا مثلاً للتوضيح، لو قامت الأسرة بتدريب طفلها في المنزل على بعض المهارات، ووجدت صعوبة في عدم استجابة الطفل بالشكل الصحيح فإن القدرة على طلب الاستشارة التلقائي هو الحل الأنسب.
4- آلية اختيار البرامج العلاجية والمهارات المستهدفة
قبل كورونا.. بالرغم من أن الخطط العلاجية التأهيلية الفردية كانت (من اسمها) تصمم حسب قدرات كل طفل واحتياجاته، لكن المختص خصوصاً في أماكن تقديم الخدمة بشكل جماعي كان يحاول أن يكون هناك تناغم وانسجام في الخطط العلاجية للمجموعة الواحدة، الذين يتلقون نفس الخدمة في نفس الوقت لما في ذلك من سهولة وانسيابية في طريقة التدريب والتعليم للمجموعة المتلقية للخدمة.
بعد كورونا.. سيتم التحوّل إلى الطرق العلاجية المتكيفة (المبنية على الاحتياج والقدرات)، حيث سيكون احتياج الأسرة أولاً ولن تكون هناك اعتبارات أخرى سوى ما يتعلق بالأسرة وقدرتها على التعامل مع طفلها وتدريبه؛ وللأسرة الخيار في اختيار تطبيق البرنامج العلاجي مما لا يتعارض مع روتين الحياة اليومي.
5- تكلفة تقديم الخدمات التأهيلية
قبل كورونا.. كانت تكلفة الخدمة عالية ومترتبة على تكلفة تدخل المختصين المتمرسين وتكلفة مكان تقديم الخدمة (استئجار المكان) وتكلفة المواصلات إلى مكان الخدمة والأدوات المستخدمة في الجلسة العلاجية.
بعد كورونا.. بما أن تقديم الخدمة سيكون بالمنزل ومعتمداً على الأسرة في المقام الأول فمن المحتمل أن تقل تكلفة الخدمات وذلك لمحدودية الوقت الذي يتدخل فيها الخبير وأن تقديم الخدمة لا يترب عليه الانتقال من مكان إلى آخر أو أن يتم تنحية جزء من التكلفة إلى مساقات أخرى مثل استخدام التقنية.
6- الوصول إلى الخدمات التأهيلية
قبل كورونا.. كان الوصول إلى الخدمات التأهيلية مقتصراً على من يكون لديه معرفة بأن لدى طفله احتياجات خاصة ومن يكون بالقرب منه مدرسة أو عيادة أو مركز تقدم تلك الخدمات.. حتى وإن كانت هناك مدرسة فقد يضيق بالأسرة ذرعاً الجلوس على قائمة الانتظار أشهراً وسنوات.
بعد كورونا.. في عصر التحوّل الرقمي يمكن لأيّ أسرة تلقي الدعم عن بعد في أيً مكان حول العالم طالما أنه هناك اتصال إنترنت جيد وجهاز ذكي ليكون الوصول للخدمات على نطاق أوسع وأكثر استدامة. يمكننا أن ندعم من يتعذر من لا يتوفر لديهم مختصين من هم في الدول المنكوبة أو من لا يتوفر لديهم مختص بشكل دائم فيكون هناك مختص افتراضي أو مختص يقدم الدعم عن بعد.
في الختام، أشرنا هنا إلى مجموعة من الملامح التي قد يتخللها التغيير في الإجراءات والعمليات بعد مرور أزمة كورونا، -أزاحها الله عن الإنسانية-.. أرجو أن تكون هذه الأزمة بمثابة النداء الذي يوقظنا للتصحيح والتحسين والاستفادة من القدرات والإمكانات المتاحة لنتمكن من الرقي بالخدمات المقدمة لذوي الإعاقة وأسرهم بما يحقق لهم مستوى حياة أفضل واستغلال أمثل لجميع الموارد المتاحة ليتسع نطاق الخدمات لأكبر شريحة ممكنة ويتم تجويد المتاح منها.
** **
- أستاذ التربية الخاصة المساعد.. باحث ومهتم بمجال اضطراب طيف التوحد وتحليل السلوك التطبيقي.. مستشار معالي وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية (للتنمية الاجتماعية والرئيس التنفيذي للعمليات بمركز التميز للتوحد.