خالد بن عبدالكريم الجاسر
في الساحة العالمية تمرح اليوم علل مُستعصية وأمراض معدية، تشيع بين الطرقات والشوارع والأسواق بل والأجواء التي كانت تعج بالحياة في الجوار الآسيوي، لتنتشر خارج السيطرة الحدودية، بلا حواجز ولا قوميات ولا فتونة عالمية كاذبة، حدها الإسلام في ثلاثة كلمات وحرف «الوقاية خير من العلاج»، لنرى العالم ممسكاً بطرف ثوبه مهرولاً من مرض لا يُرى في مشهد فريد لم يُحسب له أقل حساب، يقع بها تضييع الأوقات، وتبديد الطاقات، وإثارة النزاعات، واختلال الأولويات، وكثير منها بدأ في حالات فردية ثم انتهى إلى ظاهرة مرضية، فتلك الأيام نداولها بين الناس، رصد جماعي، وتحركات للحكومات حول العالم وسياسات حكيمة وبعضها دون اللامبالاة لحماية بلدانها من انتشار فيروس كوفيد 19، وأخذ الحيطة والحذر من تداعيات الإصابة به.
إن الحقيقة الثابتة أنه من المهم أن نتخذ كأفراد إجراء احترازي يُكمن في محبة الوطن لا الأنانية في الذات، غير أنه من الأهم القيام به بصورة صحيحة، وفق ما تُعلنه حكومة الخير لملك الحزم والعزم، السباقة لخير المواطن والمُقيم، ممثلة في وزارة الصحة وجُهدها المُبارك، السائرة على إستراتيجية رؤيتها الحالمة 2030، بمحاورها الجامعة، المانعة (مجتمع حيوي، اقتصاد مزدهر ووطن طموح)، وإلا قد يؤدي إلى نتيجة عكسية، مثل المريضة «31» بفيروس كورونا، في كوريا الجنوبية، وعدم مبالاتها مع الأمر، عندما تعرضت لحادث مروري بسيط بمقاطعة دايجو ذهبت على إثره إلى المستشفى، وقد نصحها الأطباء لارتفاع حرارتها بفحص كورونا، لتضرب بنصائحهم عرض الحائط، فترتد على المجتمع ككل بوباء متفشي، حيث شاركت بعدها في قدّاسين بكنيسة Shincheonji بالمنطقة، وذهبت إلى بوفيه غداء مع الأصدقاء في أحد الفنادق، ومع تفاقم أعراضها، استسلمت للفيروس الذي أرهقها وخرجت للفحص الذي أكد إيجابيته لتُعلن السلطات الصحية في اليوم التالي أنها الحالة الـ31 المؤكدة في البلاد، ثم تنفي في مقابلة صحفية لاحقاً أن الأطباء نصحوها بإجراء الاختبار، وتأتي الطامة عندما تحصل الجهات الطبيّة المختصة على قائمة تضم أسماء 9300 شخص حضروا القداس في ذات التواريخ، شكا منهم 1200 فرد، أكدت الصحة عدوى مئات الحالات منها، بل وأكدت أن 63.5 % من جميع الحالات المؤكدة في البلاد كانت «مرتبطة بكنيسة Shincheonji، ليبدأ تسجيل الحالات بشكل سريع وتُصنّف دايجو كبؤرة وباء، ولتعترف الحكومة أن الوضع لم يكن خطيرًا لاحتواء الفيروس قبل تعنت المريضة 31.
هذه مراجعة للوضع القائم، لكن في الحقيقة سيكون لدى الحكومات الكثير من العِبر تحفزها لإعادة حساباتها، فماذا نحن فاعلون أيها المواطن والمقيم، هل تحب أن تكون مصدراً للوباء بمجتمعاتنا كالرقم 31 أم تمسك عليك بيتك، وتصون أهلك ونفسك ومن حولك، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً. فـ»الوقاية خير من العلاج» فتأملها وتدبر وعند التأمل تجد الطريق إلى هذه العبارة ليس سهلاً، بل مرّ بعدة مراحل؛ قد لا يُحمد عُقباها، فعادة ما تكون البداية ظهور المرض في حالات فردية، وبصورة أولية بدائية، ثم يتطور الأمر حفظ الله وطننا قيادة وشعباً وزواراً.