حمد بن عبدالله القاضي
ستتغير موازين القوى بالعالم..
لن تكون القوة العسكرية هي خطاب الدول الأقوى.
الآن دخلت قوى أعظم وأكبر.. والكارثة الكبرى أنها لا تُرى؛ فليست جيشًا يقاتل، أو دولة تعتدي على دولة فيتم رد اعتدائها.
إنها قوى «الأوبئة» التي لا تستطيع أن تكتشفها أجهزة الاستشارات أو الرادارات أو المخابرات،
ولا تتمكن من أن تعرف عنها شيئًا: نوعها.. تحركها.. حجمها.. فضلاً عن أن تحاربها الطائرات والبوارج والصواريخ..
و»فيروس كورونا» أصدق شاهد؛ فهو انتصر على أقوى جيوش العالم، وعلى أجهزتها وأسلحتها.
***
منذ حل «كورونا» ضيفًا ثقيلاً بكوكبنا الأرضي وأنا أتأمل قدرة الله التي تمثلت بهذا الفيروس الذي «حاس العالم» كما قلت بتغريدة: صحتهم - اقتصادهم - علمهم - سفرهم..
أتأمل ضعف الإنسان، وعجز الدول بكل قدراتها وتقنياتها.
صدق الله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}.
لقد كابرت الدول الكبرى بأن «قوتها المادية» هي الأمان لها من الخطر، وراهنت على أن الاقتصاد هو سيد العالم، وأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا..
***
لقد أهملوا «الإنسان»، وجعلوه من سقط المتاع حتى جاء «كورونا» ليطرح أسئلته: ماذا كسبتم عندما خسرتم الإنسان، وأصبح المعيار لكم هو الأرقام والماديات؟!
في ظني إن «العالم الأول» سيتغيَّر، وتتغير مقاييسه بالحياة.. سيرى أن هناك قدرة أعظم، وأن هناك مدبرًا للكون أقوى من كل آلاتهم وجيوشهم {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً...}.. لقد وقفوا حيارى أمام هذه القوة الربانية.. أضعف مخلوقاته: «فيروس»، لا يُرى بل لا يتنفس إلا إذا استوطن خلية الإنسان {... وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ}.
***
وأمر آخر: هل ستدرك الدول الكبرى أن قوتها الحقة بالإنسان على أرضها، وبالمختبرات العلمية، وبمراكز البحوث الطبية؛ لتنفق عليها بدلاً من الإنفاق المفرط على جيوشها ومعداتها العسكرية وطائراتها وبوارجها وقنابلها؟
أسئلة تنهض بهذا المشهد، والرهان ما بعد كورونا للإجابة عنها؟!
***
وأخيرًا، تُرى ما آثار جائحة كورونا على المسلمين؟ فهو من جانب إيجابي؛ سيُزيد كثيرًا منهم إيمانًا بالله، واقتناعًا بتعاليم الدين؛ فهم رأوا ماذا فعل هذا «المخلوق» الأضعف بالعالم الأقوى الذي جعل الاقتصاد والعلم والجيوش آلهة من دون الله سبحانه، ولكنهم رأوا تهاوي آلهتهم أمام جبروت الله العظيم الذي يؤمنون به.
حقيقة، لنتأملها كثيرًا، ونعتبر بها.
***
=2=
**أقصى أمانينا: عودتنا لحياتنا الاعتيادية
أصبحت أقصى أمنياتنا أن نعود لحياتنا العادية السابقة التي كانت لا تعجبنا، بل كان الكثيرون يشكون منها.
الآن بعد خطر كورونا كل آمالنا ودعائنا أن ترجع حياتنا العادية السابقة.
لقد كنا نشكو «الروتين اليومي»، ومن مشاغلنا، وننزعج أحيانًا مما تأخذه من أوقاتنا وجهدنا..
الآن: أدركنا قيمة الانشغال بعمل، أو التزامات أخرى؛ فهي ليست فقط إنجازًا أو أداء واجب، بل هي أيضًا متعة وشغل للوقت بما يجدي رغم ما قد يكون فيها من تعب جسدي.