عبدالوهاب الفايز
في مقال سابق هنا (الجزيرة عدد 4 ديسمبر 2019) تم طرح اقتراح برنامج للدعم الحكومي يستهدف (احتواء مشكلة البطالة). الاقتراح هو: (التدخل والدعم الحكومي الذكي) الذي يتجه لاستخدام التوظيف للعاطلين كأداة لتمويل (الجمعيات والهيئات الخيرية غير الربحية)، فهذا يحقق مكاسب عديدة، اجتماعية واقتصادية، وأولى من دعم القطاع الخاص، والذي عادة أول خطوة يتخذها في الأزمات هي: خفض رواتب العاملين أو فصلهم!
الآن ومع الأزمة الحالية التي تفرض على العالم وعلينا واقعًا جديدًا ومستقبلًا صعبًا.. ربما نحتاج إلى إعادة طرح هذا المقترح الذي تدعمه مخرجات قمة العشرين الافتراضية التي دعت لها المملكة، حيث وضع القادة (حماية الوظائف) ضمن الأولويات، ففي البيان أكدوا (أنهم لن يدخروا جهدًا لحماية الأرواح والوظائف والحفاظ على الاستقرار المالي)، كما أقرت القمة تقديم 5 ترليونات دولار لمواجهة الأزمة ولدعم وإنعاش الاقتصاد العالمي.
الذي نتحدث عنه ونطالب به ونتمنى أن يكون على أجندة المسؤولين هو ضرورة توجيه حصة رئيسية من الدعم الذي التزمت به المملكة في القمة لتوفير الموارد البشرية للجمعيات غير الربحية. المنافع والمكاسب لتبني برنامج لدعم التوظيف في القطاع الثالث الخيري نجدها في جوانب عدة، منها:
أولاً: الدعم بهذه الآلية يلتقي مع أدبيات الاقتصاد التي نسمع عنها، وهي أن دورة الاقتصاد في الظروف الراهنة أكبر داعم ومحفز لها هو (إنعاش الطلب) على الخدمات والسلع، وهذا يتحقق عن طريق تحريك سوق العمل ودعم الوظائف.
ثانيًا: مكاسب دعم الوظائف تتجاوز دعم الاقتصاد، فالمكسب الأساسي هو دعم الاستقرار الاجتماعي وفتح نوافذ الأمل بالله ثم بالمستقبل للشباب الذي يبحث عن عمل.
ثالثًا: دعم الوظائف يوجد عامل الاستقرار السريع للاقتصاد، وهذا يساعد الحكومة على (التفكير بهدوء) وروية لمعالجة التحديات الاقتصادية المترتبة على الأزمة الحالية، بعيدًا عن الضغوط الشعبية.
رابعًا: يلتقي مع تحرك الحكومة السريع مؤخرًا لمواجهة الأزمة حيث أقرت إجراءات وحوافز مالية عدة استهدافت دعم المنشآت الصغيرة ومتناهية الصغر. (نتمنى أن يستهدف هذا الدعم بالدرجة الأولى المنشآت في المحافظات والقرى الصغيرة، وهذا ضروري لأن معدلات البطالة عالية جدًا في بعض المناطق).
خامسًا: يقدم آلية سريعة لتنفيذ التزامات المملكة لقمة العشرين، فسوف يكون علينا تحرك إضافي لدعم الاقتصاد، وربما لن يكون هناك أهم من دعم سوق العمل لإنعاش الطلب على الخدمات والسلع، فالناس إذا كان لديها عمل ودخل تستطيع الإنفاق على احتياجاتها، وبالتالي تحريك النشاط التجاري.
سادسًا: هذا الدعم وعلى المدى البعيد، سوف يسهم في تنمية وبناء إمكانات القطاع الثالث وبالتالي تمكينه.
سابعًا: هذا الدعم سيكون أحد عوامل توسيع شبكات الأمان والرعاية الاجتماعية الضرورية وقت الأزمات الاقتصادية، فالإنفاق الحكومي يصبح مطلبًا أساسيًا لاحتواء الناس، بل هو ضرورة اجتماعية وإنسانية وأمنية، فتحقيق الأمان النفسي والاجتماعي حافز أساسي لعودة النشاط الاقتصادي، وعودة الإنفاق والاستثمار.
ثامنًا: هذا الدعم تسنده حقيقة وهي أننا ليس لدينا كثافة القوى البشرية الوطنية التي تعمل في المشروعات والشركات الكبرى الخاصة، فهذه لديها كثافة العمالة الأجنبية، وبالتالي الدعم الضروري وقت الأزمات سوف يذهب إلى العمالة الأجنبية وملاك هذه المنشآت، لذا يصبح أثر الإنفاق محدودًا على الاقتصاد، وبالذات على سوق العمل.
تاسعًا: القطاع الخيري الآن يتوسع، و(الجمعيات التخصصية) التي تعمل على التنمية والتمكين تنمو كل يوم، ودعمها لا يقل أهمية عن دعم المصانع أو المزارع، فتوجيه القروض والإعانات للجمعيات الخيرية له منافعه وأثره التنموي، وله أثره المباشر السريع على استقرار بلادنا.
بقي أن نجدد الأماني لنقول: لعل فينا وبيننا من يعي ويردك ويؤمن بهذه الأوليات للدعم والإنفاق الحكومي، فالمؤسسات الخيرية أثرها متعدد ومتعدي ويدوِّر الإنفاق ويوسع أثره، أكثر مما تفعل المنشآت التجارية الربحية. وفي الظروف الراهنة، توظيف العاطلين وسيلة لتوجيه الدعم لإنعاش الطلب الذي سوف يكون أثره سريعًا ومباشرًا في الاقتصاد، فتوظيف العاطلين من شبابنا في الجمعيات الخيرية ودفع رواتبهم لعام كامل منافعه متعددة. ولعلنا لا نعيدها للتذكير، فالمخلصون لبلادهم من المسؤولين كثر، ورغبتهم الدفع ببلادنا إلى الاستقرار هي دافعنا لتداول الرأي وبث الهموم!