علي الخزيم
ذاك الفيروس المِجْهَري (التاجي الكوروني) المستعصي على النظر المُجَرَّد؛ أذهل الكون وحيَّر أطول العلماء باعاً وخبرة بهذه الكائنات الخفيّة النشطة كيفما تشاء وأين تشاء بقدرة الخالق سبحانه، لا يستشير أحداً من الناس إن أراد الالتصاق بتجاويف حلقه وخياشيمه، ولا يعوقه عائق من الكُمُون كضيف ثقيل لا تعرف متى حل ومتى سيرحل بنفسه أو سيرحل بمضيفه من الدنيا؟ لا يمل الخمود والنوم وإن طالت الأيام حتى يجد خليّة داخل الجسم غافلة عن حِيَله وخداعه لتؤويه وتحضنه وهي لا تدرك أنها تشاركه الجريمة بقتل إنسان أو عشرات من خلق الله بسبب هذا الحنو والعطف عليه وإيوائه بكنفها، فبعض الكائنات لا يثمنون مثل هذه الرعاية والاحتواء فأول ضحاياهم من قَرَّبهم إلى قلبه وضمهم إلى أحشائه ووهبهم الثقة والطمأنينة!
فهذا الكائن الضئيل (النانوي) الذي لا يمكن قياس حجمه إلَّا بقياس النانو وتفكيك المليمتر إلى أدنى درجات التصغير؛ قد كشف عن كائنات لا تقل عنه؛ ليس بالحجم فهي ربما بأحجام البغال لكنها بالخبث والضغينة والغدر تفوقه أضعافاً مضاعفة، والفرق بين هذا الصغير وذاك الحجم العريض أن الفيروس يعترف ويصر بأنه قاتل ولا يماري بذلك ولا يحابي؛ بينما الفيروس الإنساني الذي يعيش بيننا يخاتل ويكابر ويزعم بأنه الخل الوفي والصديق الصدوق والرفيق الودود، ثم مع المتابعة وتراكم المواقف والأحداث بينك وبينه يهيئ الله لك المنبهات لتلتفت إلى تعامله معك وتتدارس وتستحضر بذهنك ما سبق؛ لتكتشف أنه ألعن وأخبث من (الكورونا) وكل الفيروسات بهذا الكون، ثم لا تملك -مع ضوابط العقل والتبصر- إلَّا أن تفوض أمرك لله سبحانه ولا تفتأ تردد ما ورد بالآية 129 التوبة: {حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}.
العاقل لا يستهين بأي درس يتلقاه ويتعلمه، حتى قيل بالآونة الأخيرة: دروس والمعلم فيروس! فمما استذكرناه - ولم نكن نجهله - أن أمامنا قيادة حكيمة يهمها جداً أمر المواطن وأمنه واستقراره وتوفر كل متطلبات حياته الكريمة، وأن نعمة الأمن بوطنك لا يعادلها ثمن أو قيمة مهما كررت الحسابات، قيادة تحرص على أبنائها بالداخل والخارج لا تقصر عليهم بالشأن الصحي والغذائي، لأنها تؤمن بأن الإنسان المواطن هو المرتكز للتنمية، وأنها مؤتمنة عليه وهي تؤدي الأمانة بثقة وإخلاص، ولمن أراد المقارنة فليتتبع قليلاً من أخبار دول تُعد متقدمة وتتغنى بديموقراطياته، وعند حلول الأزمة الكورونية الحالية انكشفت بعض المبادئ الشكلية الورقية؛ فلا أفعال تذكر بالواقع، فبينما تعمل سفارات خادم الحرمين الشريفين على احتواء المواطنين السعوديين بالخارج وتقدم لهم السكن الراقي والعلاج والغذاء الكافي لحين ترتيب ترحيلهم للوطن؛ تجد بعض تلك البلاد توعز لرعاياها بالخارج للّجوء للجمعيات الخيرية ومكاتب الزكاة بالدول الإسلامية وإن لم يكونوا مسلمين، لم تتحدث عن سبل سكنهم ومعيشتهم وعلاجهم فهذا برأيها شأن خاص بهم؛ فأين الثرى من الثريا؟!
وجب علينا إذاً أن نبادل قيادتنا وولاة أمرنا ذات المبادئ والمشاعر الوطنية الصادقة.