محمد آل الشيخ
القوميون العرب، وبالذات المؤدلجون منهم، وجدوا في فيروس كورونا، ونظرية المؤامرة، متنفسا لهم، من خلاله ينتقمون من الليبرالية الغربية، التي هزمت رهاناتهم على انتصار النظرية الاشتراكية، وحليفهم الاتحاد السوفييتي المنهار. فما إن انطلق فيروس كورونا من الصين حتى انبرى فلول الاشتراكيين العرب، ومعهم المتأسلمون المسيسون أيضا، يوجهون أصابع الاتهام للغرب، وبالذات للحضارة الأمريكية المتفوقة على أنهم من (خلّقوا) الفيروس، للإطاحة بالصين، وقالوا في خسة الأمريكيين ودناءتهم وجشعهم وبعدهم عن الأخلاق مالم يقله الإمام مالك في الخمر. فهم من خلقوه في معاملهم البيولوجية، ثم ذهبوا به إلى أهم مدينة صناعية في الصين، ونشروه هناك.
المهزومون حضاريا دائما وأبدا ما يؤمنون بنظرية المؤامرة، لذلك وجد إخواننا القوميون في هذه (الحكاية) ضالتهم ليتشفوا من الغرب، وراحوا يدبجون المقالات، ويستخدمون ما حباهم الله من أساليب بلاغية، ليثبتوا أن أمريكا أمة بلا قيم ولا أخلاقيات، وأن هزيمتهم لم تكن بسبب تخلفهم، وإنما كانت بسبب أنهم أناس أخلاقيون، أصحاب رسالة، بينما الأمريكيون والغرب عموما، أمة لا تؤمن إلا بالقوة وبالمال، وسحق البشر، واستخدام كل ما يملكون من أسلحة كيميائية وبيولوجية وكذلك ذرية، ليحكموا سيطرتهم على العالم، واستعماره، والاستيلاء على ثرواته وخيراته، فحضارتهم تلك لم تكن إلا حضارة شيدوها على جماجم الشعوب المستضعفة.
ملالي الفرس الخرافيون هم طبعا أول من قال بهذه الخرافة، لتفسير وتبرير فشلهم المفجع في التصدي لهذا الوباء في إيران، حتى أصبحت دولتهم بؤرة لتفشي الفيروس في المنطقة.
وبعد أن انتقل الفيروس من الصين، مهد الوباء، إلى أوربا أولا ومن ثم الولايات المتحدة ثانيا، وتفشى هناك، بل فاق انتشاره في أمريكا انتشاره في الصين، أسقط في أيديهم، وظهر للعامة بل الخاصة أن (نظرية المؤامرة) ما هي إلا مبرر للفشل والهزيمة، فلا يستقيم منطق المؤامرة التي يزعمون إلا أن تكون أمريكا تريد أن تنسف حضارتها باختلاق هذا الفيروس. غير أن هؤلاء (المجعجعون) قلبوا لاتهاماتهم السابقة ظهر المجن، وادعوا أن الصين انتصرت على كورونا، وأنها بعد ذلك الانتصار ستقود العالم، وستحل محل الولايات المتحدة في قوتها وسيطرتها ونفوذها، ونسوا أنهم قبل أيام كانوا يروجون للمؤامرة الأمريكية في تناقض واضح ومضحك.
سادتي : ثقوا أن الغرب عموما والولايات المتحدة بشكل خاص، هي أقوى قوة حضارية وعلمية وصناعية ظهرت على هذا الكوكب منذ أن خلق الله الإنسان على هذه الأرض، وكل الحضارات المعاصرة، بما فيها حضارة الشرق، هي امتداد لهذه الحضارة، وتقليد لها، ولمناهجها، ولم تكن من بنات أفكار الإنسان في تلك الأصقاع، ولم تهبط عليهم من المريخ، ولدى الغرب من القوة والوسائل العلمية ما يستطيع أن يسحق فيروس كورونا، فالقضية -فقط- تتطلب وقتا، وما نراه اليوم من ارتباك، لن يغير من الواقع شيئا، سيتم تقويم هذه الارتباكات، وسينتصرون في النهاية حتما.
وختاما أقول: أن كل من يظن من الأمم المفلسة أن الغرب قد أفل نجمه، فهو ليس سوى إنسان رغبوي، يقرأ الأحداث من خلال أمانيه ليس إلا.
إلى اللقاء