د. خيرية السقاف
ليس غير بصيص من نور مصباح يرتكن إلى زاوية ركن الياسمين في الجهة الشمالية من حديقتي، وكل ساكن لم يكن ليبعث ما يوحي بمكانه من كائناتها الملونة، إِذ أسدل الليل رداءه، وكل لون اكتسى من كحله سترا..
قبل ساعتين من تلك اللحظة، أبرقت وأرعدت السماء، ثم طرقت نوافذي زخات سحابة يبدو كانت تعبر فوقنا في طريقها، ألقت التحية ومضت..
وبعدها في هذه اللحظة التي تغادرني فيها الأشياء، وتُقْصى عني المحسوسات، إلا الكلمات في السطور التي بين يدي أوراقها كنت أقرأ، حين قرع أذني دوي ظننته عودة لإيذان غمامة مطيرة أخرى، لا سيما ضوء المصباح الخافت قد ارتهج، كأن سربًا من الهواء مرَّ به، يبادله الحضور في غياب كل صوت..
لكن نافذتي لم تبادرني بزخات غيمة، ولم يقتحمني صوت رعد آخر..
في الفجر أدركت الخبر، كان ذلك الدوي صدى ارتطام صاروخ عابث بآلة الدفاع الجوي الوطني، وقد سقط جثة، شاهدتها مع عيون العالم في عرض الدفاع الجوي للحادثة..
يا الله ما أبعد مرسلوه عن الرقي الإِنساني، وما أسخى ليلنا المفعم بالهدوء، والأمن..
ما أطيب لحظاتنا مع شغفنا..
شغف من يقرأ، شغف من يكتب، شغف من يتلو، شغف من يتعبد، شغف من يتأمل ويفكر،
شغف من يخطط ويرسم، شغف من يحرس ويحمي،
شغف من يرعد الليل بآلة دفاعه، وينير ببرق سلاحه..
وما أشبه دوي الرعد بدوي آلة الدفاع في فضاء الآمنين..
ونور البرق ببصيرة الحماة والناس في هدوء منهمكون، حتى النائمين، في أمان الساهرين شغفا بحب الوطن يمطرون فداء، ويرعدون حمية..
وكم نستيقظ والكثير الكثير الذي يقدمونه في ليلهم كالذي في نهارهم يصنعون..