د. حسن بن فهد الهويمل
(ضَاقت, ولمَّا اسْتحَكمتْ حَلَقَاتُها ... فُرِجت, وكُنْت أظُنُّها لا تُفْرجُ)
وعَدَ الله عباده بالفرج, ولا يغلب عُسْرٌ يسرين:- {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}.
اشْتَدِّي أَزْمَةُ تَنْفَرِجِي..
قَدْ آذَنَ لَيْلُكِ بِالبَلجِ
دنيا تُقَلِّبُ أحوال الناس, مصائبها تتلاحق كأمواج البحر, الموجة تجري وراء الموجة, ولكنها تَتَكسَّر لاهثة على الشواطئ الصخرية, إنها تُعبِّر عن مسيرة الحياة:- (لِدُوا لِلْمَوتِ وابنوا للخراب).
التجربة الواعية أثبتت أن كل قيمة فاعلة تكون - بالضرورة - غَرضاً للسِّهام. والشجر المثمر, هو وحده الذي يُرمى بالحجارة.
والأمم العظيمة كالنخلة, أصلها ثابت, وفرعها في السماء, تُمِيلها الرياح, ولكنها لا تجتثها.
لقد التفّت حبال الفجائع حول أعناق أمتنا, ولما يزل العظماء المجربون, الناصحون, المخلصون, يدفعونها بالتي هي أحسن, ولسان حال البعض منهم يردد:-
ولَوْ كَانَ سَهْماً واحِداً لاتَّقَيْتهُ
ولكنَّه سَهْمٌ, وثانٍ, وثالثُ
لم تقل المملكة ذلك, ولن تقوله -إن شاء الله- وستظل بعونه, وتسديده صامدة, صابرة, مصابرة, محتسبة الأجر, والنصر عند الله ومنه, وستكون ثابتة الأقدام, رابطة الجأش أمام كل التحديات.
كلمة (خادم الحرمين الشرفين) التي وجهها لشعبه الصابر, المحتسب زادت الثقة, وقوت العزائم, وثبتت الأقدام. فالمرحلة عصيبة, والمستقبل مخيف, والتحديات متعددة, متولدة, متنوعة, ومن ثم لا مجال للاسترخاء, والتثاؤب, والتردد.
كل التحديات, الطريف منها, والتليد, لم يكن للمملكة يدٌ فيها:-
لَمْ أَكُنْ مِنْ جُنَاتِها عَلِمَ اللهُ
وإني بِحَرِّها اليوم صَالي
قَدْ تَجَنَّبْتُ وائِلاً كي يَفِيقُوا
فأبت تَغلِبٌ علي اعْتِزَالِي
لقد تكالب الأعداء من كل جانب, بجلدهم الفاجر, ونواياهم السيئة, وآزرهم إعلام كذاب, أشر, يحرف الكلم, ويزور الحقائق, ويزيف الواقع, ويتعمد التضليل, ويأتي (اللحمة الوطنية) من قواعدها, ويخاتل المواطنين, كـ(الشيطان) من بين أيديهم, ومن خلفهم, وعن أيمانهم, وعن شمائلهم:- {وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}.
يريد الأعداء أمراً, ويريد الله أمراً آخر. وما يريده الله خيرٌ مما يريدون.
لقد أراد الله لهذه البلاد: الأمن, والإيمان, والرخاء, والاستقرار, والتلاحم, واجتماع الكلمة.
وهيأ لهذه النعم, الأجواء الملائمة من قادة ناصحين, وعلماء مؤصلين, وشعب مجرب, اتَّعَظ بغيره, وعرف أن السلامةَ بوحدة الصف, والكلمة, والهدف, والسمع, والطاعة في العسر, واليسر, والمنشط, والمكره.
لقد أصبحت (المملكة العربية السعودية) مثلا يُحْتذى, في حلمها, وأناتها, وبُعد نظرها, وشكلت غصة تتحدى الفاشلين في قيادة شعوبهم.
تَسُوْؤُنا حال الأمة, وما بلغته من ذِلة, وهوان, وضعف. ومع ما هي عليه من فوضى هدامة, وقتل همجي, وتشريد, وفقر, وفاقة لمَّا يزل المتنفذون فيها يكيدون لبلد المقدسات, ودولة العطاء, والمواساة, والسَّعي في جلاء الغمة, وقضاء حاجات الأمة.
واقع أمتنا العربية يسوء يوماً بعد يوم, والأعداء المتربصون يجتالونه من كل جانب.
دول لا تملك مقومات الوجود الكريم, وليس لها أي عمق تتقوى به, ومع ذلك تستكين لأعداء الإسلام, والقومية, تدعمهم بالقول, والفعل, وتمارس التخذيل. وما تدري أنها تُرْدِي نفسها في مهاوي الهلكة.
أمتنا العربية, تعيش حالة الوعي المفقود, والدين المنقوص, وإسلام المصالح القُطرية. لا تنهض بالحق الإنساني, ولا بالحق الديني, ولا بالحق القومي, ولا بالحق المناطقي, حق الجوار.
إنه الضياع بأبشع صوره. وهل أحد يشك في ذلك؟.
تجربة التدخل (الإيراني) العميل, المزدوج, لم تغنِ البله المغفلين, ولم تنبه السذج المتذيلين, يركض وراءها المخدوعون.
(إيران) منذ عودة (الخميني) المشؤوم, وهي في حروب همجية, مجانية, ما وطئت قدمها أرضاً إلا حلَّ فيها الفقرُ, والضياعُ, والتشرد, والفوضى:-
يَا ابْنَ الكِرَامِ ألا تدنو فتبصر ما
قَدْ حَدَّثُوكَ فَمَا رَآءٍ كَمَنْ سَمِعا