عبد الله باخشوين
في عام 1898 كلف الأمبراطور الروسي (النقيب دولتشين) بالقيام بـ(مأمورية سرية) إلى (الحجاز) لمتابعة فريضة (الحج) وكتابة تقريرمفصل عنها.. صدرت نسخته (السرية) عن المطبعة العسكرية في مبنى الأركان العام بسانت بطرسبورغ عام 1899.
وهو الكتاب الذي صدر عن دار (التقريب بين المذاهب الإسلامية) بترجمة يغيم ريزيفان بعنوان: (الحج قبل مائة سنة - الصراع الدولي على الجزيرة العربية والعالم الإسلامي) - بين يدي طبعته الثانية الصادرة عام 1993م.
استوقفتني إشارته إلى عدد الحجاج (الروس) الذي وصل في ذلك العام إلى450 وهو عدد يمثل (عُشر) العدد الذي يتوافد للحج سنوياً.
وغني عن القول: إنني توقفت عند الفصل الذي تحدث فيه عن (الأوبئة) التي (محورها) وباء (الكوليرا).. الذي كان (مستوطناً) الهند ويصل إلى (الحجاز) مع كل موسم حج.. حيث تبدأ بوادر (ظهوره) في مشعر (عرفات) قبل أن يبدأ (اجتياحه العام) في مشعر (منى) وكان حج يوم الجمعة 23 يوليو من عام 1893 هو الأكثر الأقسى في اجتياحه من الأعوام التي سبقته. وكانت سفن الحجاج بعد مغادرتها (الحجاز) تخضع إلى (حجر صحي) لمدة عشرة أيام في كل من (الطور) و(بيروت).
وفي تصوري الخاص أن (أدب الرحلات) الذي يعتبر كتاب (الرمال العربية) أحد أجمل ما قرأته فيه.. ينتمي إليه ذلك النوع من الكتابة الذي مارسناه -فيما بعد- في الاستطلاعات (الصحفية) والتحقيقات بأسلوب مختصر يهدف إلى إيصال المعلومة بعيداً عن أسلوب (التقارير الاستخباراتية) الذي يحمل الكثير من الإسهاب والتزوير، وفي العمل الصحفي كانت أصعب تجربة مررت بها هي زيارة منطقة (الجبيل) التابعة للهيئة الملكية للجبيل وينبع وتمت بتكليف من الدكتور فهد العرابي الحارثي بعد زيارة قصيرة لمعالي هشام ناظر وزير التخطيط المشرف أو رئيس الهيئة.. وسر صعوبة (المهمة) تتعلق بالكتابة عن مصانع مثل الحديد والصلب والميثانول وكلما يتعلق بـ(الآلة) لأن هذه (الأشياء) أفضل من يتحدث عنها هي الكاميرا، وأفضل ما يتحدث عنه الصحفي هو الإنسان.. والطبيعة ولا يمكن وصف (الآلات) بطريقة تقنع القارئ.
وما زلت أعاني من صعوبة الكتابة عن قصص وحكايات رواها لي أبي، خصوصاً تلك التي روى فيها قصة (انقلابه بالشاحنة) المحملة بـ(ريالات الفضة) بين مكة المكرمة وجدة..
فأنا كثيراً ما أسمع أحد أبنائي يسألني: (طيب ليش ما تكتبها قصة)، فأقول بحيرة: (كيف)..؟! لأنني كنت أفشل طالب في حصة (الإنشاء والتعبير).
وما زلت (أغبط) أولئك الكتاب الذين يحولون بعض أحداث (التاريخ) إلى قصص وروايات.. لأنني أجد أن (الواقع) يحاصر مخيلتي.. ويحرضني على البحث عن شيء يستحق أن يكتب عنه.