م. بدر بن ناصر الحمدان
بتاريخ الاثنين 23 مارس 2020م، دخلت المدن السعودية حيز تنفيذ قرار منع التجوّل من الساعة السابعة مساءً وحتى الساعة السادسة صباحاً لمدة 21 يوماً بأمر من الملك، وذلك في سبيل جهود المملكة للحد من انتشار فيروس كورونا، يأتي هذا القرار امتداداً لقرارات سابقة قضت بإيقاف العمرة، والرحلات الداخلية والخارجية، وتعليق الدراسة والحضور لمقرات العمل الحكومي وإغلاق المساجد والمجمعات التجارية والتوجيه بالبقاء في المنازل وعدم الخروج إلا للضرورة القصوى وحتى إشعار آخر.
هذه الإجراءات ذات السابقة التاريخية كان من شأنها أن تُصيب أي مدن بالفوضى واختلال الأمن والشلل التام وتعطيل كامل للبنية التحتية والمرافق الحيوي ونفاذ المخزون الغذائي وتراجع في معنويات السكّان وانهيار الغطاء الصحي وتوقف سلاسل الإمداد والمساندة وغيرها من العواقب الحضرية الوخيمة جراء مثل هذه القرارات المؤثرة، لكن ما الذي حدث في المدن السعودية؟
في ذروة هذا الحدث بدت المدن السعودية وكأن شيئاً لم يحدث، فالحياة مستمرة بطبيعتها، آمنة ومطمئنة، وكامل قطاعاتها ومرافقها وخدماتها تعمل بنفس وتيرتها وطاقتها بل وأكثر من ذلك، على سبيل المثال أنا هنا في العاصمة الرياض، والتي يتجاوز عدد سكانها 7 ملايين نسمة وتغطي المناطق المأهولة بها دائرة قطرها أكثر من 50 كم/ط، حيث يبدو المشهد العام مثالياً للغاية، فكل الأمور تُدار هنا باحترافية كبيرة ودرجة تنسيق عالية من قبل كافة الأجهزة الحكومية الأمنية والمدنية بلا استثناء.
المتخصصون في إدارة المدن يعلمون جيداً ماذا تعني هذه الأرقام الكبيرة عن السكان والنطاق الإشرافي المكاني، ويدركون أنه ليس من السهل أبداً إدارة مدينة مليونية ضخمة مثل الرياض والتحكم بها وتوفير بيئة عيش صالحة لسكانها في ظل كل هذه الظروف والأحداث المتسارعة، وكل ما تطلبه منهم البقاء في منازلهم ومع أسرهم، هذا لا يحدث إلا نادراً، وفي مدن تعي معنى المسؤولية الكاملة، هذا ما نجحت فيه الرياض، وهذا ما هو عليه الوضع في المدن السعودية كافة.
لقد قدمت السعودية اليوم بكافة أجهزتها المعنية بإدارة مدنها، درساً كبيراً في فن إدارة الأزمات، وأظهرت إدارتها المحلية قدرة هائلة على التعامل مع الأحداث بشكل عملي وعلى أرض الواقع ودون شعارات زائفة، وبرهنت على أنها الدولة الأكثر اهتماماً بالإنسان وحقوقه حينما وضعته (أولاً) وقبل كل شيء، وجنّدت كل مقدراتها ومقوماتها وقدراتها من أجل الحفاظ على سلامته مواطناً ومقيماً في مشهد إنساني بليغ، وتجاوزت كلما قد ينتح عن ذلك من خسائر اقتصادية وتنموية، وتحملت تبعاتها دون الإضرار بقطاعاتها التي ضمنت لها الدعم الكامل في تجاوز هذه الأزمة.
الأهم من ذلك كله، أن الإنسان السعودي أظهر هو الآخر جانباً مشرقاً من وطنيته، يكمن في التزامه بالأنظمة والتعليمات، وإظهار روح التكافل الاجتماعي، واصطفافه مع القطاعات المسؤولة، وولائه وانتمائه للأرض التي يعيش عليها.
هي تجربة سعودية استثنائية، ولحظة فارقة في تاريخ إدارة المدن.