د. خيرية السقاف
كل الناس فوق الأرض تقول عنها، بمعنى أن الجائحة التي تمر لا تجعلهم فيما يقولون خارجا عما تكون، هي محورهم، ودائرة اهتمامهم، وتحركهم، وتفكيرهم، وحذرهم، وتوجسهم!.
مع أن الإجراءات توسم في كل مكان نزلت به هذه الجائحة بالاحترازية، والجميع ينشدون الاجتناب، والتباعد، والمكوث في البيوت، والحذر من العدوى، وتجنب الآخر، وجعل المسافة بين اثنين مترين على الأقل، إلا أن مكونات المدن، والأبنية الشاهقة فيها، والطرقات والمنعطفات فيها، بل زوايا الأركان، والأبواب، ومخابئ الأفياء، وسعة الفضاء الأعلى، ومنابع الماء الأدنى، وموج البحور، وأجنحة الطيور، والشجر النابت، والفاره، والذي ينمو، والأحراش، والمروج، والحدائق، والسفوح، والشواطئ، والجامد، والجاف، والندي، والصوت، والرعد حين يخترق طبقات السماء، والمزن وهي تُنزل القطرات، والشمس في الفجر، والضوء في الصبح، وجدران البيوت، وأبوابها، وشخبطات البائسين، والحالمين العتيقة على الأبواب، وضُلف النوافذ المواربة استدعاء للهواء الذي هو أيضًا في مساره، والستائر تحجب الضوء عن النيام، وخرير الماء يوقظ الشغف في وجدان اللاهثين إليه للاحتراز!.
كل المكنون حول البشر لم يتأثر بالجائحة، لا تزال الأشياء بمكوناتها بصفاتها، واتجاهاتها، بأحجامها وآثارها، بأدوارها، ومواقعها، بأشكالها، وألوانها كما؛ هي لا تركض، لا تحترز، لا تهرب، لا تتباعد، لا تمرض، لا تتغير..
هي كما هي في فلك سيرورتها، لا فناء يباغت، ولا تغيُّر يواكب، لا صوت يقول شيئًا مما يقول البشر، ولا خبايا تتوجس..
حتى عربة الإسعاف، ومشرط الطبيب، ومقياس الحرارة تفعل ما يحركها إليه الإنسان، دون أن يتغير دورها، أو يُضفى عليها احترازٌ، أو اعتزال...
أتخيل أنها تتأمل، وربما قد تتبسم شفاه لها، وتعود تزمها، وهي تهز رأسًا ربما فيها، ولسان قد يكون يقول:
يا للإنسان، يا لغروره، ويا لضعفه!!..
ومؤشر الجانحة يشير إلى أن أمريكا فاقت كل مواقع الأرض في عدد مصابيها!.