تتزايد الحالات في أرجاء العالم التي تصاب بالدقيقة والثانية بفايروس كورونا الجديد بسرعة مذهلة حيرت العلماء والأطباء والمختصين من خبراء الأوبئة، ولكنهم يبذلون قصارى جهدهم للوصول إلى العلاج الناجع لهذا الفيروس المعدي والخطير الذي ظهر وللمرة الأولى في سوق لبيع الحيوانات البرية بمدينة «ووهان» الصينية. هذا الفيروس الذي قيل إنه يعيش في أمعاء الخفافيش عن طريق إفرازاته لا ينتقل إلى الإنسان مباشرة ولكن عبر الهواء يصل إلى الحيوانات الأخرى بكل سهولة وإلى الإنسان الذي يخالطهم بطبيعة الحال.
بين فينة وأخرى أصبح العالم المتحضر في حرب جماعية تعيشها الحكومات والشعوب لا تنفع فيها الجيوش أو الأسلحة من طائرات ورادارات متقدمة، ورغم ما وصل إليه من تقدم مذهل في الطب ذي الإمكانات المتطورة يقاد من قبل هذا المخلوق العجيب والصغير في الوقت نفسه الذي شن هجوماً شرساً على كوكب الأرض ودون سابق إنذار، فبسببه أغلقت المطارات والمنافذ الحدودية والمدارس والجامعات وألغيت المهرجانات والمناسبات الرياضية والثقافية وغيرها، كما قامت شركات كبرى وحكومات عديدة بالطلب من موظفيها الالتزام بمنازلهم والعمل عن بُعد لمدة لا تتجاوز 16 يوماً خوفاً من انتقال العدوى فيما بينهم. وتسبب هذا الفايروس بخسائر اقتصادية لا يمكن التنبؤ بها وربما تصل إلى آلاف التريليونات من الدولارات عالمياً. كما وفتحت المحاجر الصحية وأُطلقت الإجراءات الاحترازية في جميع أنحاء العالم.
لكن هذا الفايروس رغم كل ذلك وحتى اليوم لا يزال يواصل حصد المزيد من الأرواح يصيب من يصيب ويقتل كما يريد في كل اتجاه بعد قدرة الله جل وعلا. لكن العالم يتساءل عن الوقت الذي سوف يستغرقه العلماء لكبح جماح «فايروس كورونا الجديد» وكيف ستكون السيطرة على هذا الوباء المتفشي؟. ومتى ستكون؟.
إن المؤمن بطبيعة الحال يتعامل مع الأمراض والأوبئة من واقع شريعته الإسلامية متكلاً على الله سبحانه وتعالى {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا}. وتقول الآية أيضاً {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ}.
والمؤمن يؤمن بدعائه كما قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الدعاء سلاح المؤمن، وعماد الدين، ونور السموات والأرض. لأن الله جلت قدرته قريب يجيب دعوته. موقناً بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطاه لم يكن ليصيبه. لقد قال أبونا إبراهيم الخليل (عليه السلام) عن ربه في سورة الشعراء: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}.
لكن الاحتياط واجب، فالوقاية خير من العلاج والحذر وعدم مخالطة المصابين والابتعاد عن الأماكن المزدحمة وغسل اليدين باستمرار هذه ضرورات ملحّة يجب القيام بها باستمرار ودون تهاون أو تسويف، فالصحة تاج على رؤوس الأصحاء. أيضاً عدم الانسياق وراء الشائعات وأخذ المعلومات من مصادرها الرسمية والتقيد بالتعليمات المرعية بهذا الشأن.
لقد نهى النبي عن الاستهانة بالأمراض وخصوصاً المعدية منها وقال (صلى الله عليه وسلم): «إذا سمعتم بالطاعون في بلد فلا تدخلوها وإن كنتم فيها فلا تخرجوا منها». لذا فإن الإفصاح من قبل المواطنين الذين تواجدوا في بعض الدول الموبوءة هو مسؤولية اجتماعية بحتة وواجب شرعي وقانوني ملزم لهم.
يقول ابن القيم رضي الله عنه: (لو كشف الله الغطاء لعبده وأظهر له كيف يدبر الله له أموره وكيف أن الله أكثر حرصاً على مصلحة العبد نفسه وكيف أنه أرحم به من أمه لذاب قلب العبد محبة لله سبحانه وتعالى). وعن أَنَس رضي الله عنه أَنَّ النبِيَّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم كان يقول: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْبَرَصِ وَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَمِنْ سَيِّئْ الْأَسْقَامِ).
هذا الورد وغيره من الكتاب والسنة الذي يرافقنا بعد كل صلاة يحق لنا أن نشعر براحة تامة بقلوبنا فلا خوف ولا حزن.. فالآية الكريمة تقول {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }، نصبح على ملكه ورزقه وتوفيقه وتسييره ويزيدنا من فضل الدنيا والآخرة وهو خير حافظاً وهو أرحم الراحمين.