كدولة تسابق الزمن وتسعى لتحقيق وجودها وحماية قيمتها في عالم مضطرب تسعى بلادنا لصقل رتل من المعوقات وإعادة تركيبتها مع إحلال آخر الحلول المبتكرة محل الاجتهادات المؤقتة لتعبيد مسار المستقبل.
من إعادة تنظيم النظم والإجراءات ومن تصويب مسار الاقتصاد للإنتاج المعرفي المعتمد على الإنسان بدل المخزون الكمّي إلى رفع جودة الحياة في كل مكوناتها كعمليات بناء مرسومة ومدروسة محّكمة بمتابعة نتائج التنفيذ حسب جدولة دقيقة صار من أهم واجبات وسائل الإعلام خلق الفضاء الثقافي في الوعي الجمعي ليتواكب ومسار الدولة بشكل عام نحو محطات التقدم المنشودة.
الإعلام فضاء واسع ليس مقروءا ومسموعا ومشاهدا فقط بل وممارسا ومشاركا بشكل ميداني فردي وجماعي، نحن اليوم في عصر يستطيع فرد من الناس أن يتحول إلى محطة فضائية يشاهدها مئات الآلاف وربما الملايين بجهاز بحجم كف اليد، وانعكاس التأثير الطبيعي أصبح في أثره وفعله أقوى في المحاكاة والتقليد من (يقال وسمعت) فتقنية العصر منحت الفرد القدرة على النفاذ للفضاء الجمعي والتأثير فيه سلباً وإيجاباً دون تحكم رقابي.
على سبيل المثال فتصوير طفل لفعل خاطئ في الشارع يكفي عن مراجعة وكتابة وتوفير دلائل وشهود وتحقق واستبيان فقط بالمشاهدة صوت وصورة لا يسع المسؤول المعني إلا أن يبادر لتصويب الخطأ والقصور أو يقر بعجزه وتنهى صلاحيته، وكان من أغرب حالات الهروب من هذه الرقابة الصارمة صدور أمر بمنع التصوير للحالات المخالفة أو المتجاوزة سواء لعامة أو خاصة فرد أو مسؤول بحجّة الخصوصية التي انتهت منذ عقود لكنه فشل بحكم مخالفته للمنطق وأدوات العصر، والحال كذلك فإن النقد الصحفي المكتوب خير مساعد لتصويب خطى مراحل مسارات البناء المستقبلي من حيث إنها عصارة فكر ورؤى عقول مراقبة ومتابعة ومهتمة وتملك الصياغة التحريرية البناءة التي تملك القدرة على إيصال المقاصد دون إثارة أو تجاوز لكنها وبحكم رقابتها وسوار محيط فضائها تراجعت بشكل كبير أمام جهود فردية مبعثرة لا تملك في كثير منها ذاك الحس النقدي والرقابي المسؤول لتظهر فوضوية تواقة للشهرة بأي ثمن دون حساب عواقب غائبة عن الوعي أو ربما متعمده للإساءة أكثر منها كاشفة لحقيقة وساعية لتصويبها.
إن إعادة قيمة وجودة المقال المنشور ليعود إلى مكانته السابقة ويواجه وسائل التواصل الاجتماعي أو على الأقل ليكون قادرا على اجتذاب القارئ من خلال لمسه للحقائق وكشفها يحتاج إلى مزيد من السعة في الصلاحية واستعداد أكبر في تلقي النقد وحماية أكثر في مواجهة امتعاض الفشل والعجز، الكاتب مسؤول مكشوف بفكر عقله وعمق وعيه محكوم بدائرة المسؤولية ومراقب بعين نافذة بينما يبحث ويستهدف مستخدم وسائل التواصل الاجتماعي عن زيادة في عدد المتابعين لتحقيق شهرة تجلب المال وإشباع الغرور.
عزوف الجمهور عن الصحف ومتابعتها والاكتفاء بما يطرح في وسائل التواصل الاجتماعي نتيجة حتمية لانحيازها للتغطية على حساب الحقيقة حتى صارت تستقي الجراءة في الطرح من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وإن هذبته بعقلانية مزيفة غير مقنعة تزيد من هجر القارئ وتقلل من مصداقيتها أمامه، وهي في الحقيقة فكر وعقل الوطن الجمعي أو الجمع الوطني وهي أي الصحافة الوطنية أميرة الإعلام وضابطة وسائل الإعلام الأخرى، هي القائدة أو هكذا يفترض، وهي في خضم رحى عمليات التطور الشاملة التي يشهدها الوطن يفترض أن تتقدم لا تتأخر لتعين وتساعد حركة مسار المستقبل.
بصريح العبارة دون لبس يحتاج كاتب المقال في الصحيفة الورقية مزيدا من مساحة الاستقلال وصلاحية في النقد وكشف القصور في التنفيذ وحتى في السياسات المرسومة لخلق أكبر فضاء من الخيارات أمام الجهات الخدمية والمعنية خارج إطار مسؤوليتها أو اختصاصها بعيون وعقول كتّاب ومفكرين يعيشون الواقع الخدمي ويلمسون بشكل فعلي إيجابيات وسلبيات أثره ويبدون آراءهم وانتقادهم من خارج الهيكلية المنفذة دون حساب مصالح أو منافع خاصة على حساب الصالح العام، ليتوقف الحرث النثري الممل والذي يكسي الصحيفة بالرتابة والملل وهجر القراء وهروبهم نحو وسائل التواصل الاجتماعي، لا بد أن ترقى الصحافة وتساير حركة التطور والتغيّر لتؤدي دورها المنشود ولن يكون ذلك إلا باحترام عقول القراء.