محمد سليمان العنقري
حالة الشلل الاقتصادي الذي اجتاح العالم بسبب تفشي وباء كورونا استدعى ضرورة التحرك الدولي للتصدي لتداعياته، وقد كانت المملكة العربية السعودية على الموعد بصفتها رئيسًا للدورة الحالية لمجموعة العشرين وهو التكتل لأكبر اقتصاديات العالم، فقد دعت لعقد قمة استثنائية افتراضية عبر الإنترنت على مستوى القادة برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي خاطب القادة بما يجب أن يتم العمل عليه من تضافر الجهود لمواجهة الوباء واحتواء تداعياته وآثاره السلبية اقتصاديًا واجتماعيًا ولم يفت الرياض أن تدعو أطرافًا أخرى لحضور القمة ليتم جمع كافة الجهود الدولية سواء دول تمثل مناطق جغرافية مهمة أو مؤسسات دولية ذات ثقل وعلاقة مباشرة بهذه الأزمة كمنظمة الصحة العالمية وصندوق النقد الدولي وغيرهم.
فما رشح عن القمة التي أعد لها على عجل خلال أيام قليلة سبقتها يعد منعطفًا مهمًا في مواجهة الوباء، فجميع دول العالم تحركت بجهود وقرارات خاصة بها خلال الشهرين الماضيين لكن في هذه القمة تم توحيد الجهود لأكبر الدول اقتصاديًا وحتى من حيث عدد السكان الذين يمثلون أكثر من 65 في المائة من عدد سكان العالم واقتصادياتها تفوق 80 في المائة من الاقتصاد العالمي وكذلك من حجم التجارة الدولية، وبما أن الوباء انتشر بجميع دول المجموعة وهي من تمتلك الإمكانات الاقتصادية والعلمية لهذه المواجهة الكبيرة مع عدو شرس فكان من المهم العمل على أن تتشكل جبهة موحدة للتخلص من الوباء وتداعياته وهذا ما عملت المملكة عليه من خلال الدعوة لهذه القمة والإعداد لها رغم الوقت القصير والظروف الصعبة للعمل على ذلك بما أن العالم متوقف بحركة التنقل وكذلك تعطل جيش الموظفين نتيجة لإجراءات الحجر ومنع التجول والاتجاه للعمل عن بعد بأغلب دول العالم الذي تبقى أدواته محدودة قياسًا بالمرافق المجهزة فجميع ظروف العمل للقمة لم تكن اعتيادية ومع ذلك اتخذت فيها قرارات وتوصيات سيكون لها دور كبير باستيعاب هذه الأزمة الكبيرة المفاجئة للعالم بأسره.
فقد اعتمدت دول المجموعة إجراءات لضخ خمسة تريليونات دولار أمريكي لحماية الاقتصاد العالمي وهي تمثل ما أعلنته كل دولة من دول المجموعة من إجراءات داخلية تهدف لحفظ مكتسبات اقتصادها ودعم منشآت القطاع الخاص خصوصًا الشركات الصغيرة والمتوسطة إضافة لبرامج حماية اجتماعية لمن فقدوا أعمالهم أو تأثرت الجهات التي يعملون بها فيتم تقديم حزم دعم للحفاظ على وظائفهم من خلال أما مبالغ مباشرة تدفع لهم أو خفض بالضرائب أو تأجيل دفعها أو تأجيل أقساط لقروض والعديد من المبادرات كما أن هذه المبالغ الضخمة ستمتد لعدة سنوات قادمة لدعم عودة النمو لاقتصاد تلك الدول مما يعني بالضرورة انعكاس ذلك على الاقتصاد العالمي حيث سيعود الطلب على السلع والخدمات تدريجيًا، كما أن توحيد الجهود في مجال الصحة العامة وتبادل المعلومات وكذلك دعم الأبحاث العلمية لإيجاد لقاح تستفيد منه جميع دول العالم والحرص على النظر لوضع الدول الفقيرة ودعمها من خلال حماية سلاسل الإمداد للتجهيزات الطبية والغذائية وزيادة الدور الفاعل لمنظمة الصحة العالمية بإدارة مواجهة هذا الوباء ودعم جهودها ماليًا لتمكينها من إيصال المساعدات المطلوبة للدول الفقيرة والعديد من الإجراءات التي ستصب في حفظ الأمن العالمي صحيًا واقتصاديًا بالسرعة المطلوبة حيث إن انتشار الوباء سريعًا والتحرك لمواجهته يتطلب إجراءات متعددة بأسرع ما يمكن لأن التأخير سيتولد عنه اضطرابات عديدة وسيؤثر في استقرار الدول الفقيرة لأن الركود الاقتصادي العالمي إذا طال أمده سينتج عنه تبعات خطيرة خصوصًا مع تعطل عجلة الإنتاج وسلاسل الإمداد، إِذ سيكون هناك احتمال كبير لارتفاع حاد في أسعار السلع الغذائية والدوائية تحديدًا في حال استمرت الأزمة عالميًا لأكثر من ستة أشهر قادمة مما يحيله «لركود تضخمي» فالدول الغنية ستدفع مبالغ مضاعفة لشراء السلع التي سيقل المعروض منها وهذا ما لن تستطيع الدول الفقيرة توفيره لمواطنيها وهو ما ينذر بحالة من انعدام السلم الدولي ولذلك كان لا بد من التحرك العاجل بجهود موحدة وهو ما قامت به المملكة استشعارًا لحجم المسؤولية التي تقع على عاتق دول مجموعة العشرين التي تملك الثقل الأكبر اقتصاديًا وسكانيًا حيث دعت للقمة التي تمثل مرحلة مهمة لمواجهة الوباء خصوصًا أن من بين القرارات هو التأكيد على عقد اجتماعات أخرى لمتابعة سير ما صدر عن القمة الاستثنائية.
وضعت المملكة إمكاناتها لخدمة البشرية بقيادة حكيمة وجهود أبناء المملكة للإعداد لهذه القمة وعقدها في ظل ظروف حرجة وصعبة يعيشها العالم فمواجهة وباء كورونا مسؤولية جميع دول العالم والشعوب أيضًا من خلال اتباع التعليمات التي تصدرها الحكومات وخصوصًا بالشق الوقائي إلا أن القمة التي دعت لها المملكة ستكون تاريخية لأنها وحدت جبهة دولية تضم أكبر دول العالم اقتصاديًا وأكثرها تطورًا علميًا وتكنولوجيًا وما يتوقع عمّا صدر عنها من قرارات سيكون لها دور رئيس بإعادة إنعاش الاقتصاد العالمي بعد انتهاء التصدي طبيًا لهذا الوباء الذي لأول مرة جمع العالم كله على عدو مشترك فقد كانت رسالة القمة معبرة وشاملة وبكلمتين فقط
«الإنسان أولاً».