مها محمد الشريف
مع اشتعال أزمة وباء كورونا ظهرت بجلاء سوءات العالم الذي انشغل سابقاً بالنزاعات والخلافات بعيداً عن الاهتمام بصحة الإنسان وتطوير العلاج لمواجهة الأمراض المستجدة والمزمنة. ولو عدنا بالذاكرة لوقت ليس ببعيد، عندما تبادلت أمريكا التهديدات مع الصين وانتهت بفرض عقوبات تجارية، لكن إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، كانت صاحبة السبق في هذا الهجوم، وأعلنت واشنطن سلسلة من الإجراءات ضد مئات البضائع الصينية، وازدهرت تجارة الأسلحة وارتفعت مبيعاتها في العالم بنسبة 5 % عام 2018 في سوق تهيمن عليه أمريكا، وبلغت قيمة مبيعات الأسلحة العالمية 420 مليار دولار، وأدى هذا النمط السياسي إلى نتائج غير محمودة فهو يغلو في تقدير الفروق والمواجهات.
ونشر معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، تقريراً جديداً بأن قيمة مبيعات أكبر 100 شركة لتصنيع الأسلحة معظمها أمريكي 420 مليار دولار، وفق التقرير. واستمرت شركة لوكهيد مارتن الأمريكية في تصدر مصنعي الأسلحة منذ 2009، وبلغت مبيعاتها في عام من الأعوام 47.3 مليار دولار. وتمثّل مبيعات هذه الشركة وحدها 11 % من السوق العالمية. واستفادت الشركات الأمريكية من قرار إدارة الرئيس دونالد ترامب زيادة التسلّح وتحديث قواتها المسلحة بحجة تعزيز موقعها في مواجهة الصين وروسيا.
وجاءت روسيا في المرتبة الثانية لمصنعي الأسلحة، مع 8.6 % من السوق، متقدّمة بقليل على المملكة المتحدة التي بلغها حصتها 8.4 % وفرنسا 5.5 %، وقفزت أكبر الشركات الروسية، ألماز-انتي، إلى المرتبة التاسعة مع مبيعات بقيمة 9.6 مليار دولار، أي بارتفاع بنسبة 18 % عن العام الذي سبقه، وذكر التقرير أن «هذه الزيادة لا تتعلق فقط بالطلب الداخلي، لكن أيضاً بتواصل نمو مبيعات الأسلحة إلى دول أخرى وخصوصاً صادرات منظومة الدفاع الجوي إس-400».
والصين التي أذهلت العالم بصناعاتها وغطت مساحات شاسعة من الكرة الأرضية واكتسحت الأسواق العالمية، على مدار السبعين عاماً الماضية، كان الاستثمار أحد المحركات الرئيسية للتنمية الاقتصادية في الصين، حيث ارتفع معدل تكوين رأس المال الوطني (نسبة إجمالي تكوين رأس المال إلى الناتج المحلي الإجمالي) من 38.9 % عام 1978 إلى 48.5 % في عام 2011، وهو أعلى مستوى منذ عملية الإصلاح والانفتاح في الصين.
أمران يدهش المرء لهما في هذا العالم، قدرة الدول العظمى على صناعة الأسلحة المعقدة والمتطورة بتكنولوجيات حديثة ولا تستطيع اختراع لقاح أو علاج للأوبئة، ولا يوجد علاج لهذا الوباء (كوفيد19) لذي ارتفعت وتيرة الوفيات فيه الولايات المتحدة فقط، إلى 800 شخص، فيما يوجد ما لا يقل عن 70 ألف إصابة، وفقًا لإحصاء CNN Health للحالات الأمريكية التي تم اكتشافها واختبارها في أمريكا من خلال أنظمة الصحة العامة، حسب إحصاء CNN، مما يجعل هذا اليوم الأكثر دموية في الولايات المتحدة منذ بدء جائحة فيروس كورونا.
وظل الإنفاق على النزاعات وبيع الأسلحة والترويج الهائل للسفر والسياحة والترفيه في مقدمة الاهتمامات والأولويات، بينما الأمراض تستشري وتطول دون علاجها مثل السرطانات والفيروسات منها الإيدز والأنفلونزا بأنواعها والتهاب الكبد الفيروسي وطريقة توالدها، فقد ظهر وباء الإيدز في الثمانينيات والذي أصاب أكثر من 70 مليوناً من البشر، ومات حوالي 35 مليوناً، أغلبهم في إفريقيا، وما زال 37 مليوناً في العالم مصابين بالفيروس، والأهمية الكبرى لهذه الجائحة تخبر بأن العلماء والأطباء عجزوا عن اكتشاف عقار لهذا الفيروس رغم التقنيات المبهرة التي أذهلت العالم، وحصول جمع كبير من العلماء والأطباء على الجوائز العالمية.
فهل هي سياسة جني أرباح فقط لتصنيع أدوية لتخفيف الأعراض ولكن لا تعالجها لكي تستمر الأزمات الصحية؟ تلك هي الحقائق الكبرى التي تقول: إذا لم يستفق العالم من هذه الأزمة ويوجه ثرواته وقدراته للحفاظ على صحة الإنسان وتطوير الطب وأدواته، وإلا فإن البشرية مهدَّدة بنسف كل حضارتها من أجسام لا ترى بالعين المجرَّدة وتدميرها الهائل للإنسان وهو بلا شك سقوط عظيم للدول المتقدمة.