نواف بن عبد العزيز آل الشيخ
يُبنى الاقتصاد القومي بسلسلة من المشاريع والأنظمة والإجراءات التي تسهم في تهيئة البيئة الاستثمارية الملائمة أمام الفرص المتنوعة في المجالات كافة الاقتصادية والمالية والخدمية، فما أن تتوافر هذه السلسلة ستعزز دون شك من مكانة أي دولة على المستوى الدولي والإقليمي، وتساعدها في استقطاب الزائرين بمختلف أغراض الزيارة.
فمن ضمن الفرص الاستثمارية المتاحة في هذا المجال هي إنشاء «مرافق لإقامة واستضافة المعارض التجارية والاستهلاكية والمؤتمرات العلمية والتجارية والتعريفية والندوات والملتقيات وغيرها من الفعاليات الأخرى».
فلو نظرنا حقيقة إلى هذا المشروع من الناحية الاقتصادية لوجدنا أن هناك دائرة من مستفيدين رئيسيين من هذه العملية بشكل مباشر وهم المنظمون لهذه الفعالية والموردين وملاك المرافق أنفسهم، حيث تكون الإيرادات بشكل مباشر للمنظمين أصحاب الفعالية والمتمثلة في الاستفادة من المساحات التأجيرية المخصصة لمنصات البيع، وهناك الطرف المهم وهم الموردين حيث تتولى الجهة الموردة مسؤولية توريد الأجهزة والمعدات بتفاصيلها للفعالية، وتكتمل الدائرة بالطرف الأخير وهو مالك المرفق، حيث تكون استفادته من خلال توفير القاعات وتأجيرها.
ولا شك أيضاً أن أصحاب منصات البيع (البوثات) تعود عليهم هذه الدائرة الاقتصادية بالفوائد من خلال الاستفادة عن طريق البيع المباشر للسلع الاستهلاكية، في مجالات الأطعمة والملابس.
أيضاً من الإيرادات الأخرى المتحققة من هذه المرافق، هي من خلال عقود الإيجار قصيرة المدى أو طويلة المدى بين صاحب الأرض، ومالك المرفق.
ومما يجب الإشارة إليه أن هناك إيرادات غير مباشرة تنتجها مرافق صناعة المعارض والمؤتمرات وهي من خلال زوار الفعاليات المقامة الذين سيشكلون سببا رئيسيا في زيادة الطلب على جميع القطاعات الخدمية والتجارية، على سبيل المثال الفنادق، والاتصالات، والنقل، والمطاعم، والأسواق والمحلات التجارية وغيرها من القطاعات الأخرى.
ومن الفوائد المتحققة اجتماعياً هناك فعاليات الأعمال التي تسهم في حل بعض المشاكل الاجتماعية على سبيل المثال إذا كان موضوع المؤتمر متعلّقا بإحدى القضايا الأسرية، كالطلاق، ونبذ العنصرية، وتوعية المجتمع وغيرها.
أيضاً لا بد من الإشارة إلى المؤتمرات الطبية، ومدى أهميتها وما يتحقق من خلالها من إعلان عن عقارات طبية لعلاج أحد المشاكل الطبية، أو من خلال مناقشة مواضيع تختص في هذا الجانب، على سبيل المثال ما قامت به وزارة الصحة ممثلة في قطاعاتها ولجانها بتوعية المواطنين والمجتمع بشكل عام في تقديم النصائح وكيفية التعامل مع فيروس كورونا الجديد بالطرق السليمة، وما هي سبل الوقاية وما يجب عمله تجاه الفيروس، وأيضاً من خلال عقد المؤتمرات التي استعرضت من خلالها على الإجراءات الاحترازية والاستعدادات لمواجهة الفيروس.
واستكمالاً لهذه الفوائد الإيجابية، هناك مؤتمرات تختص بالجوانب الأمنية تتضمن معالجة ومناقشة القضايا التي تهم المجتمع مثل مكافحة المخدرات، والقيادة بتهور وما يصاحب هذه المعارض من صور ولوحات تعريفية.
أخيراً لا شك أن مثل هذه المشاريع تسهم في تنشيط حركة السياحة في المملكة، وزيادة في الطلب على التأشيرات السياحية، وستعمل على توفير العديد من فرص العمل الدائمة والمؤقتة، وتعزز من فرص المملكة في استقطاب كبرى الفعاليات الدولية، لتصبح الوجهة المفضلة لاستضافة وإقامة فعاليات الأعمال.
وهذا من شأنه سيواكب رؤية المملكة 2030 -بإذن الله- في جعل المملكة بيئة جذب واستقطاب للزوار والمستثمرين، وتعزيز الاقتصاد الوطني بشكل عام.
ولا بد من التنويه أن قيادتنا الرشيدة -حفظها الله-، أولت اهتمام في هذه الصناعة المهمة، منذ أن كانت تراخيص وإقامة واستضافة المعارض والمؤتمرات تمنح من خلال وزارة التجارة والاستثمار، ومن ثم انتقال هذا الملف إلى مظلة وإشراف الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني (وزارة السياحة حالياً) وأنشئت برنامج مدته خمس سنوات يسمى بالبرنامج الوطني للمعارض والمؤتمرات، حيث عمل البرنامج على تنظيم هذه الصناعة منذ عام 2013م وحتى عام 2018م، وأسهمت هيئة السياحة (الوزارة حالياً) ممثلة ببرنامج المعارض والمؤتمرات بتطوير هذه الصناعة، حيث عملت على تنظيمها وإعداد اللوائح النظامية والتنظيمات والتشريعات للنهوض بهذه إلى أن صدر قرار مجلس الوزراء الموقر في عام 2018م بعودة هذا الملف الهام إلى مظلة وإشراف وزارة التجارة والاستثمار وتحويل البرنامج إلى هيئة عامة للمعارض والمؤتمرات، وهذا مما يؤكد حرص المملكة على هذه الصناعة المهمة.
ومن المأمول من هيئة المعارض والمؤتمرات مواكبة رؤية المملكة 2030 من خلال العمل على النهوض بهذه الصناعة وتطويرها، ووضع دليل موحد لتصنيف منشآت ومرافق فعاليات الأعمال، ليسهم في تحسين جودة المرافق، وفق أعلى المعايير الدولية، والاستفادة من التجارب الدولية والأبحاث المتخصصة في هذا المجال، على سبيل المثال لا الحصر، في بعض المرافق الدولية هناك اهتمام بنوعية الأطعمة المقدمة لزوار الفعالية، من حيث الأصناف والنوعية المفضلة، وهناك كتب علمية وأبحاث حول نوعية الأطعمة والوجبات المناسبة.
أيضاً العمل مع المستثمرين لإنشاء المزيد من المرافق الكبرى على مستوى يليق بمكانة المملكة ليمنحها الفرصة لاستضافة كبرى فعاليات الأعمال، وفق التصاميم الاقتصادية (الخضراء) والاستفادة من المواقع القريبة من المجمعات التجارية.
ومن المأمول أيضاً من الهيئة دعم منظمين فعاليات الأعمال (شركات ومؤسسات) من خلال تقديم دورات متخصصة في هذا المجال، وبالتالي سينعكس أثرها على جودة الفعاليات، والاهتمام بالعنصر البشري الذي هو رأس المال لهذه الصناعة وذلك من خلال عقد دورات تدريبية للمهتمين في هذه الصناعة، ودعهم في الالتحاق بكبرى الشركات الوطنية والدولية.
كذلك من المهم أن تكون هناك روزنامة دورية عن فعاليات الأعمال، أسوة بروزنامة الهيئة العامة للترفيه، والعمل أيضاً مع الجهات ذات العلاقة ممثلة بوزارة السياحة وذلك من خلال ربط تأشيرة السياح بروزنامة فعاليات الأعمال.
أخيراً إن مثل هذه الصناعات، ستسهم -بمشيئة الله- في تنويع الدخل المحلي، وزيادة فرص العمل، وتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على البترول، وستسهم في جعل المملكة ضمن مصاف الدول المتقدمة، والجهة المفضلة لإقامة واستضافة فعاليات الأعمال.