عبد العزيز الصقعبي
يشعر من يعرفه أن هوايته في الحياة التنبيه عن أخطار قادمة، أو مشكلات ستحدث لشخص ما، فيبدأ بنقل كلام قد يكون مختلقاً لذلك الشخص من أناس آخرين، مؤكداً له أنهم يضمرون له الشر، فيبث الرعب بداخله، هذه الأخطار وتلك المشكلات غالباً تكون وهمية، لا يتوقف الأمر على الآخرين، بل أحيانا تكون في أمور تتعلق بحياته، من ذلك حين كان طالباً في المدرسة، كان يبرر سوء تحصيله الدراسي ودرجاته المتدنية، بقوله لوالده إن أستاذ المادة يكرهه، غالباً يصدقه ذلك الأب، ويمتلئ غيظاً موكداً سوء التعليم، تمضي السنوات ليجتاز بصعوبة المراحل الدراسية، ويتوظف ويتزوج، ويبقى هنالك خلل في داخله، أحياناً إحساس بالمؤامرة، أو عدم اتخاذ موقف سليم تجاه بعض الأحداث، ولكن يبقى على موقف أن الآخر هو العدو، بالطبع بعيداً عن فلسفة الجحيم هم الآخرون.
ذلك الرجل الذي اعتاد أن يذهب إلى رئيسه المباشر كل يوم ليبث في داخله الرعب من الاخرين، ليس الوحيد في العالم بل مثله مئات بل آلاف، عموماً، احساسه بالمؤامرة من الآخر لم تكن وليدة اللحظة، بل عايشها طيلة سني عمره، بدءاً من الغزو الفكري، مروراً بالبث المباشر، وقد كُرّست أغلبها في سنوات سابقة، هو لا يهمه مطلقاً ما يحدث بالعالم من ثورة بالمعلومات، ووجود تقنيات حديثة تخدم الإنسانية، لا يهمه التطور، هو يسمع ويشاهد وأحياناً يقرأ الأخبار، يحللها بصورة غريبة في ذهنه، ويخرج غالباً بآراء غير منطقية.
في هذه الأيام ومع تفشي وباء كورونا، حين بدأ في الصين أكد أن ذلك الفيروس وضعته أمريكا لإخضاع الصين، وحين انتشر في أوروبا وأمريكا، غير رأيه وكأنه لم يقل الرأي السابق، وقال إن الصين تريد إخضاع العالم، هذه آراء يتحدث بها، ويقولها لبعض الأصدقاء، وربما لو كان هنالك فرصة للحديث عبر إحدى الفضائيات لما تردد من قول ذلك، ولكن المشكلة ليست هنا، فكما يقولون الكلام يطير بالهواء، هو من هواة رسائل الواتساب، لديه قائمة طويلة من الرسائل الجماعية، إضافة إلى اشتراكه بعدد من المجموعات، أصدقاء، وزملاء عمل، وجيران، وكل مجموعة يعرف بها شخص ويمكن ذلك الشخص أن يضيفه يكون عضواً فعّالا، بإرسال الرسائل المتنوعة التي تبدأ بصباح الخير، وتنتهي بما لا يخطر على بال، لا يعنيه مطلقاً من هم أعضاء المجموعة، المهم أن يشارك.
مع بداية انتشار الوباء، بدأ يرسل كل ما يرده عنه، ثم تطور الأمر مع انتقال الفيروس لدول أخرى لينقل آراء متطرفة عن بعض الذين أصيبوا به، لم يفكر مطلقاً بخطورة تلك الرسائل، ثم شعر بالحماس لينقل بعض الأخبار من مصادر غير موثوقة، لا يعنيه مطلقاً صحة المعلومات، وعندما بدأت إجراءات الوقاية من ذلك الوباء دار حديث بينه وبين أعضاء مجموعة في الواتس، فقال ليضمن أن له رأيا خاصا، لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، ليقول له أحدهم، ونعم بالله ولكن لابد من أخذ الحيطة، لم يستطع أن يكمل الحوار، وفي الوقت ذاته بدأ بإرسال ما ورده من رسائل عن انتشار الوباء، ويكون حريصاً حين يرى أن الخبر «غير الصحيح» يحقق تفكيره الدائم بالمؤامرة وأن ذلك الانتشار بفعل فاعل، كأنه يسترجع بعض ممارساته القديمة حول فشله الدراسي، وعدم حصوله على مرتبة وظيفية أعلى معولا ذلك على موقف لرئيس لجنة الترقيات، قد تفلت من بين رسائله في وسيلة التواصل الاجتماعية بعض الرسائل المفيدة، ولكن عيبه أنه لا يفكر مطلقاً قبل بث رسالة سواء مقروءة أو مسموعة أو مشاهدة عن فائدتها أو خطورتها، يبث أحياناً رسائل توعوية لاستخدام المطهرات والمعقمات، ويوكد أهمية تعقيم اليدين، ثم يبث بعد ذلك، وهو مستمتع، خطورة استخدام المعقمات بكثرة على اليدين، ربما يكون هنالك بعض الحقيقة، ولكنه لا يبحث عن الحقيقة من مصادرها الرسمية، بل إنه هيأ عقله لاستقبال المعلومات المغلوطة من مواقع مشبوهة، وهو لا يعي ذلك، هو يستقبل دون فلترة ويبث ما يستقبله مباشرة، هوايته تلك مدمرة قد تكون أشبه بالوباء.