د. حسن بن فهد الهويمل
جدل خفيف لطيف حول عمالقة الفكر، والأدب في مصر. وتركز الجدل حول تفاضلهم في الأساليب.
ما أود التمهيد به: مقولة متداولة حول انتهاء زمن العمالقة. التعظيم الذي قد يصل حد التصنيم. التزكية المطلقة والإغماض عن الزلات، والهفوات.
القول بانتهاء زمن العملقة تيئيس لا مبرر له، والعملقة ليست وقفاً على زمن معين، ولا على شخص معين. وإضفاء العملقة يصنعه الإعلام غير الدقيق، مثل لقب (عميد الأدب) و(أمير الشعراء) و(شاعر النيل) و(شاعر الجيل) ألقاب ما أنزل الله بها من سلطان. العمالقة المتعارف عليهم كـ(العقاد) و(الزايات) و(طه حسين) وأضرابهم أهل لهذا الوصف، لتمكنهم في مجالاتهم وإن اختلفنا معهم، في بعض ما يذهبون إليه. اختلاف أساليبهم، وأفكارهم، هي التي ألهبت المشاهد، والمشاعر، وسدت الفراغات. السمو بهم فوق النقد، والمساءلة جناية على الأدب، والدخول في النوايا، والتصنيف تخويف لا مبرر له. بعد رحيلهم أصبحوا جزءاً من التاريخ الأدبي. الأساليب المتأنقة المراوحة بين: الهس، والجرس، والصخب، والإيقاع، والسجع، والترسل. منها السهل الممتنع كأسلوب (طه حسين) وإن سخر منه من سخر كـ(الرافعي) و(ومارون عبود)
ومنها السهل المتدفق كأسلوب (زكي مبارك) ومنها العميق العصي كأسلوب (العقاد) ومنها الجزل الغريب كأسلوب (الرافعي) ومنها الجميل الجليل كأسلوب (الزيات) تظل الأفكار، والرؤى، والمناطات، والأخلاقيات، والمواقف مجال أخذ، ورد.
طه حسين هواه مع الثقافة الفرنسية، بل هو مجنّد لفرضها، وإشاعتها، وخلافه الحاد مع (زكي مبارك) مرده إلى توحّد مشاربهم، واختلاف مناطاتهم، كلاهما مسيطر على الثقافة الفرنسية. طه حسين ذاب فيها، و(زكي مبارك) ذابت فيه. زكي مبارك عروبي، وطه حسين استشراقي. (الرافعي) يختلف عنهم، لأنه غير أكاديمي، لا يملك المنهجية الأكاديمية، وهو متعصب للتراث. أما (العقاد) فَعَالَم آخر، سعة ثقافة، وعمق معرفي، وإن لم يكن هو الآخر أكاديمياً. (الرافعي) أساء للمشهد النقدي بكتابه (على السفود) لكن غيرته الدينية المفتعلة الانفعالية مكنّت له في الأوساط الثقافية، مع أن العقاد أفضل منه في هذا المجال. في النهاية عصر العمالقة عصر حافل بجلائل الأعمال، وكل واحد يشكِّل مدرسة أسلوبية، وفكرية لا يستهان بها عفا الله عنهم جميعاً، لقد تتلمذت على كتبهم، ولم أسلم لأحد منهم.
أعجبت بفكر العقاد، وأسلوب الزيات، ومغامرات طه حسين، وبلاغة الرافعي، واحتدام مشاعر زكي مبارك، وعقلية أحمد أمين وسخرية المازني:
أولئك آبائي فجئني بمثلهم.