ميسون أبو بكر
يعتبر الوضع الراهن الذي يعيشه العالم أجمع هو حرب عالمية ثالثة تحاول رسم خارطة جديدة للكرة الأرضية مع فرق أن هذه الحرب لم تطلق فيها رصاصة واحدة، بل كانت حرباً فيروسية بامتياز قطعت أوصال العالم وفرضت الحجر المنزلي على المعافين وحجراً صحياً صارماً على المصابين الناجين من الموت، وحجراً مؤقتاً على القادمين إلى أوطانهم يتعدى الأسبوعين بعيداً عن منازلهم وأغراضهم الخاصة، لكنها إقامة جبرية خمس نجوم للمحجورين من أبناء الخليج ودول قليلة الذين كرمت دولتهم عليهم كثيراً وأحاطتهم بالعناية والرعاية بدءاً من نقلهم إليها من الدول الموبوءة إلى تقديم الرعاية الصحية اللازمة والفحوصات للتأكد من سلامتهم فترة الحجر الفندقي -إن صح التعبير-.
لأننا كما يقول إدوارد سعيد شعوب عربية تؤمن بنظرية المؤامرة وبتآمر العالم ضدها، فإننا لا نملك أمام ما حدث إلا أن نضرب أخماساً في أسداس، وأن نضع السيناريوهات الممكنة والمتضاربة لهذا الفيروس اللعين الذي ربما أطلقته الصين من مختبراتها في خطة لشراء الشركات العالمية بعد أن تهبط أسعار الأسهم، أو ربما تسببت أمريكا به لتوقف التسارع الاقتصادي للصين الذي تضخَّم مؤخراً، أو احتمالات كثيرة تعزِّزها الروايات والأفلام السينمائية التي ظهرت قبل سنوات أو عقود وتنبأت بالفيروس في حكايات مختلفة.
الجدير بالاهتمام أن الصور التي أخذتها الأقمار الصناعية لكوكب الأرض تشي بتعافي هذا الكوكب تماماً من الأوبئة التي سببها الإنسان، فقد توقفت المصانع، وأغلقت المقاهي والحانات، وخفَّت التجمعات، وتوقفت القطارات والمركبات، فخفَّ أنين الأرض وثقلها، وعلى الرغم من أن كورونا كان مصاباً جللاً للإنسان إلا أنه فرج لكوكب الأرض وخلاص لها من نشاط بني البشر المؤذي أعني.
الجدير بالنقاش اليوم هو كيف نكون مسؤولين عن انقشاع هذه الغمة ومساعدة السلطات في أن نلزم بيوتنا ونلتزم بمنع التجول التام ليلاً وعدم الخروج نهاراً إلا للضرورة القصوى لكي نوقف نزيف العدوى وانتقال المرض من شخص للعشرات؟ فاستهتار البعض تسبب باتساع رقعة المرض وعدد الوفيات، حيث لا يوجد له دواء أو لقاح رغم كل الأخبار التي عللتنا بالفرج.
ماذا سنصنع إن نجونا منه بإذن الله؟ ما الذي سوف نعيد ترتيبه في حياتنا؟
وهل ستعود الحياة لمجاريها كما كانت دون اختلاف؟
لا أعتقد أنها ستكون مهمة سهلة للسيطرة على تزايد المصابين بالكورونا، ولا أعتقد أن الفترة التي سنتخطى فيها دائرة الخطر ستكون سريعة، لكننا لأجل هذا لا بد أن نكون مواطنين صالحين نعي جيداً ماذا حدث لإيطاليا التي لم تتخذ الموضوع منذ بداياته على محمل الجد ففاضت الأرواح فيها كحصاد السماء التي تلقت أرواحهم بالآلاف، ثم نتدبر ونأخذ الصين كعبرة حين نجت من المرض بعد الاحترازات التي قامت بها والانتفاضة من العزل والحظر ثم بدأت بتصدير أطبائها وخبراتها لإنقاذ العالم.
الكثير من المحبة والصفاء نحتاجها لتصفية أرواحنا ومساعدتنا على تعدي هذه الأزمة، فإننا نشتاق لبيوت الله أن ترفع فيها الصلوات، ونشتاق لأهلنا وأصدقائنا، ثم الأماكن الحميمة على قلوبنا، المدن ملَّت حصارها، واشتقنا لحريتنا.. التفاصيل الصغيرة في حياتنا، الشمس التي كنا نهرب من حرارتها، والعمل الذي كنا نشكو منه التعب ونمل ساعاته الطوال حسب قولنا، اليوم ندعو الله عزَّ وجلَّ أن يرفع الكرب عنا وسيكون هذا بتحمّلنا المسؤولية والالتزام بالتعليمات وبالحجر الكامل، والله ولي التوفيق.