د.محمد بن عبدالرحمن البشر
كما نعلم أن المورسكيين هم بقايا المسلمين الذين بقوا في الأندلس، وأجبروا على التنصر، والقليل تنصر تزلفاً وطمعاً أو خوفاً، وكما تم ذكره في مقالات سابقة أن وسائل الإعلام المتاحة آنذاك هي المواعظ والكتب والشعر والمسرح، وقد جندت في إظهار المورسكيين بأنهم غير جديرين بالعيش في المجتمع الإسباني المتحضر.
تشربت عقول العامة والخاصة بتميز ظاهر في الدين والدم والثقافة، وأخذت بعض الممارسات الفعلية العنصرية ترداد كثرة وحدة، فقد رفض بعض الكهنة تقديم، العشاء الرباني لرعاياهم من المورسكيين لأنهم يرونهم لم يكونوا كاثولكيين مخلصين، كما أجبر بعض الكهنة المورسكيين الذين يعملون في السفن على تغطية رؤوسهم أثناء إقامة القداس، وأضحى العامة يكيلون الشتائم للمورسكيين والمورسكيات أثناء مرورهم في الطرقات والأسواق ويشتمونهم بأشد العبارات مثل وصفهم «الكلاب الأندلسية» و»العاهرات الأندلسيات» ويمتد ذلك إلى الهجوم بالضرب على المورسكيين الموجه لهم تهماً قد تكون غير صحيحة، ومن ثم إدانتهم، وفي السجلات الرسمية لمحاكم التفتيش، نجد وثائق رسمية تصف المورسكيين بأنهم «أفاع» و»وباء» و»طاعون» أو «حمى» تنخر في الجسد الإسباني الطاهر.
أخذ الوعاظ ورجال الدين يؤلفون كتباً تدعو إلى طرد المورسكيين من أرض إسبانيا، ويجعلون من المبررات ما يرضي شمفونيتهم الدينينة، ويتجاوزون الغيرة على المذهب الكاثوليكي إلى إضافة العادات والثقافة والدم، فها هو أحد الوعاظ السابقين في بلنسية يصفهم بالخيانة والعادات السيئة ويربط ذلك بثقافتهم ودمهم، فيوقع باللأئمة على دمهم الفاسد، ولبن أمهاتهم، لذلك فإن المورسكيين جميعاً قد تشربوا العادات السيئة الفاسدة من أسلافهم، وهم في أرحام أمهاتهم وحتى يثبت ذلك في عقول العامة والخاصة فقد استشهد هذا الواعظ ببعض العبارات التي وردت في سفر حرقيال في كتاب العهد القديم أي التوراة، التي شابها الكثير من التحريف، كما يقول ابن حزم في رده على الوزير ابن النغريرة، الذي كان وزيراً لحبوس بن زيري أحد حكام الطوائف، وأسند على ما ورد في ذلك السفر ليشبههم بالكرامة الطفيلية التي كانت في داخل أمها، ويغذيها دم سام، ونص ما جاء في سفر حرقيال يقول: «أمك ككرمة مثلك غرست على المياه، فكانت مثمرة لها فروع قوية لكنها اقتلعت بغيظ، وطرحت على الأرض، وقد يبست ريحٌ شرقية ثمرها، فضعفت فروعها، ويبست فروعها القوية، أكلتها النار».
والحقيقة أن هذا النص التوراتي، لا يعني ما استشهد به الواعظ البلنسي، وإنما له معناً مغايراً، يعني أنه إسقاط نص في غير موضعه، كما هي العادة مع كل أسف في كثير من الأحيان عبر التاريخ وهو استغلال النصوص الدينية، أو الفلسفية على أحداث معينة لجذب الرعاع، والتبرير للنفس الأمارة بالسوء.
لنقرأ شيئاً عما ذكره الكاهن الأرغواني بيدرو كارجونا والذي كان أكثر وضوحاً، حيث يشير إلى أن الدم النقي للكاثوليكيين القدامى الإسبان، قد تلوث عبر السنين التي احتل فيها المسلمون الأندلس بدمهم الفاسد، من خلال تزوج المسلمين والمسلمات بالكاثوليك، ولم يبق من صفاء دمهم إلاّ القليل، فجاء المورسكيين، وهم بقايا المسلمين الذين تنصروا ليتزوجوا أيضاً معهم، ليكون دمهم، قد اكتمل فساده، وزال نقاؤه، ولهذا فقد ألف كتاباً صغيراً سماه «الطرد المبرر للمورسكيين»؛ وهذا هو بيت القصيد، وما كانت تلك التوطئات إلا تبريراً لما هو آت.