خالد الربيعان
عزيزي القارئ، أنا خائف عليك؛ فالزم بيتك. أريد أن نظل أصدقاء لأطول مدة ممكنة؛ فالزم بيتك! لا تؤاخذني في نبرة خطابي إليك؛ فكورونا كما يقول معلقنا الشهير رؤوف خليف: لا يرحم بالمرة! مع الاعتذار لميسي ورونالدو وأجويرو؛ فجلاد الجلادين الحقيقي ظهر، وهو جلاد بحق! أجلسنا في بيوتنا، ومنع عنا كرة القدم، ممارسة ومشاهدة، وجعلنا نتحسر عليها في لقطات قديمة نشاهدها على يوتيوب بحنين وأسى وأمل بانتهاء هذا الكابوس!
جلاد الجلادين أوقف الكرة في العالم كله، وضربها ماليًّا في مقتل، أوقف حالها بلغة السوق.
الدوري الإنجليزي من فضلك تعال هنا قل لي خسائرك: 800 مليون يورو من البث المباشر «راحوا»! 180 مليونًا ثمن تذاكر مباريات، 300 مليون رعايات وإعلانات ومتجر نادٍ لم يبع شيئًا!
لاليجا من فضلك ما الوضع في إسبانيا: 800 مليون في البنود الثلاثة التي ذكرناها!
حسنًا، ألمانيا، أخبار البوندزليجا بعد إذنك: خسائر 400 مليون يورو من البث فقط الذي توقف!
لن أسأل عن إيطاليا؛ يكفي الخسائر البشرية التي ضربت الشعب كله، ومعهم من «النجوم» ديبالا زميل رونالدو في يوفنتوس، ومن «الرموز» باولو مالديني.. ماذا تريد أكثر من ذلك؟ فـ»الكابيتانو» في خطر!
في فرنسا الصدمة مساوية لصدمة الاستيقاظ على صوت الدبابات النازية، تكسر بجنازيرها أسفلت شوارع باريس زمن الحرب العالمية: 400 مليون خسائر في رابطة الدوري «ليج 1»، ويأس جعل صاحبنا «نيمار» يصرِّح بأنه يريد ترك فرنسا والرجوع لبرشلونة!
كورونا أوقف الأولمبياد رغم أنف اليابان، ومعها مئات الملايين من عقود رعاية الشركات.. أصاب رئيس ريال مدريد السابق الذي توفي منه بالفعل، ومدرب تركيا وميلان «فاتح تريم» أحد رموز المنتخب التركي، وجعل رونالدو وميسي يتبرعان بأرقام ذات 6 أصفار لدعم مواجهة ذلك العدو الذي لا نراه؛ لعل الأمور ترجع لطبيعتها بعد أن التزم ميسي منزله بالقوة؛ ليداعب لفافة ورق الحمام بدلاً من الكرة، وهرب رونالدو لمعزله الخاص جدًّا في البرتغال!
ليفاندوفسكي هداف بايرن ميونخ يتدرب منزليًّا، ويمارس تمارين الضغط وطفلته الصغيرة فوق ظهره. أما زميله السابق دوجلاس كوستا فيراوغ كلبه بالكرة في حديقة منزله.
العزل الأيام الماضية أخرج لنا جانبًا كنا لا نراه في حياة المشاهير والنجوم؛ شاهدناهم بشكل أكثر حميمية في بيوتهم بعد أن التزموها. المسؤولية الاجتماعية جانب قوي من حياة النجم الرياضي؛ لأنه شديد التأثير جماهيريًّا، لأجل ذلك كانت حملة #stay_at_home أو #الزم_بيتك التي شارك فيها أغلب النجوم الذين نعرفهم ذات فائدة قصوى في هذه الظروف.
العزلة في أزمنة الوباء هي الحل الأمثل حتى يذهب. اعتبار الأمر برمته «سحابة سائرة»، لا بد أن نسكن تحتها قليلاً. في طاعون الشام الشهير زمن الخليفة الراشد «عمر بن الخطاب» كان الحل هو الرجوع عن قرار الدخول للشام التي أصابها الطاعون، ولم يغادر الشام نفسها عدد من الصحابة بعد أن وقع الطاعون بها حتى مات بعض أكابرهم، مثل أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وسهيل بن عمرو، حتى تولى عمرو بن العاص، وكان أدهى العرب، فقام بالناس خطيبًا، وقال: إن هذا المرض إذا وقع فإنما يشتعل اشتعال النار فتجبلوا منه (أي اعزلوا أنفسكم عنه في أعالي الجبال)، ثم رفعه الله عنهم بعدها.
إذن، «الزم بيتك» مهمة في مثل هذه الظروف إلا في أضيق الحدود، وعند الضرورة، ثم إن نجاحه مشروط بالتزام «الجميع» به؛ فلا فائدة من نصف جماعة تلزم بيوتها، بينما النصف الآخر بالطرقات، وكأن شيئًا لم يكن!
العزلة ربما تكون صعبة على البعض خاصة لمن لم يعتد عليها. أفضل النصائح التي وجدتها نافعة بشكل عام هي الابتعاد عن الأخبار بشكل مكثف في التلفاز، السوشيال ميديا و»جحافلها» من العلماء الأفذاذ في كل شيء! وهي تسرق طاقتك وتشحنك بالسالب، وتجعلك محاطًا بالهلاوس والأوهام والخوف المرضي؛ لينطبق عليك قول القائل «أنت من خوف المرض في مرض، ومن خوف الموت في موت»!
تعلم شيئًا جديدًا من المنزل، قم بمتابعة مسلسل تحبه، الجلوس مع الأطفال والأهل، والتقرب منهم بشكل مختلف، إنهاء مشاريع مؤجلة، كتابة خواطرك عن كورونا جلاد الجلادين.. مثلاً!
حكمة المقال: «ينأى الحكيم عن حميمه إذا أوحشت الدار»!